الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      ............ وبمراد الوصل بالياء لئن


      ثم لئلا مع أئفكا يومئذ     أئن مع أئنكم وحينئذ


      أئن أئنا الأولان وكذا     أئمة والمزن فيها أئذا


      وهؤلاء ثم يبنؤما     وأؤنبئ بواو حتما

      [ ص: 157 ] لما قدم أن الهمزة الواقعة أول الكلمة تصور ألفا وإن كان قبلها مزيد، استثنى من ذلك مع الإطلاق الذي يشير به إلى اتفاق شيوخ النقل أربع عشرة كلمة كتبت على إرادة وصلها بما قبلها، فصارت الهمزة بذلك في حكم المتوسطة منها أربع كلمات اتصلت بما يمكن استقلاله، وهي: "يومئذ" و: حينئذ: و: "هؤلاء"، و: "يبنئوم".

      والعشرة الباقية اتصلت بما لا يمكن استقلاله، وهي: "لئن" و: "لئلا". و: "أئفكا"، و: "أئن"، و: "أئنكم" و: "ائن" و: "أئنا"، و: "أئمة"، و: "أئذا" الذي في سورة "المزن" و: "أؤنبئكم". أما "لئن" فنحو: لئن أخرتن إلى يوم القيامة . دخلت اللام الموطئة للقسم على: "إن" الشرطية فكان قياسها الألف، لكن لما نزل الجميع منزلة الكلمة الواحدة صارت الهمزة بذلك الاعتبار متوسطة، فصورت ياء كالهمزة المكسورة بعد فتحة المتوسطة حقيقة.

      وأما "لئلا" فنحو: لئلا يكون للناس عليكم حجة . دخلت لام كي على: "أن لا" فكان قياسها أن تصور ألفا; لأنها مبتدأة لكن لما نزل الجميع منزلة الكلمة الواحدة صارت بذلك التقدير متوسطة، فصورت ياء كالهمزة المفتوحة بعد كسرة المتوسطة حقيقة.

      وأما "أئفكا" ففي "الصافات: أإفكا آلهة دون الله تريدون . دخلت همزة الاستفهام على: "إفكا" ففعل به ما فعل "بلئن"، وأما يومئذ فنحو: يومئذ يتبعون الداعي . أضيف: "يوم" إلى: "إذ". ثم فعل به مثل ما فعل "بلئن".

      وأما " أئن" ففي "الشعراء": أإن لنا لأجرا .

      وأما "أئنكم" ففي "الأنعام": أإنكم لتشهدون . وفي "النمل" و: "العنكبوت": أإنكم لتأتون الرجال . وفي "فصلت": أإنكم لتكفرون .

      دخلت همزة الاستفهام على: "أن"، و: "أنكم"، ثم سلك بهما مسلك أئفكا، وعلم من ذكر الناظم: "أئنكم"، مع: "ائن"، عدم دخول: "أئنك" في "الصافات"، إذ لو أراد العموم لاكتفى ب: "ائن" المجرد عن المقترن بالضمير.

      وأما "حينئذ" ففي "الواقعة": وأنتم حينئذ تنظرون . فعل به ما فعل: ب: "يومئذ".

      وأما "أئن" ففي "يس": أإن ذكرتم دخلت همزة الاستفهام على: "إن" ثم سلك به مسلك: "أئفكا".

      وأما "أئنا" في "النمل": أإنا لمخرجون .

      وفي "الصافات": أإنا لتاركو آلهتنا . وهذان هما المرادان بقول الناظم: "أئنا الأولان" دخلت همزة الاستفهام على: "إنا"، المركب من ضمير جماعة المتكلمين وإن المحذوفة النون الثانية لتوالي الأمثال [ ص: 158 ] ثم سلك به مسلك: "أئفكا"، واحترز بقوله: "الأولان"، عن: "أئنا" الثالث وهو في "النازعات": أإنا لمردودون في الحافرة . فإنه لم تصور فيه الهمزة المكسورة.

      وأما "أئمة" ففي "التوبة": فقاتلوا أئمة الكفر .

      وفي "الأنبياء" و: "السجدة": وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا .

      وفي "القصص": ونجعلهم أئمة .

      وفيها أيضا: وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ، وأصله "أأممة"، على وزن أفعلة؛ جمع إمام كآلهة جمع إله، وآنية جمع إناء، ثم أريد إدغام الميم الأولى في الميم الثانية، فنقلت حركة الميم الأولى إلى الساكن قبلها، فصار أئمة بكسر الهمزة الثانية فاقتضى القياس فيها أن تصور ياء لتوسطها تحقيقا مكسورة بعد فتح، وإنما ذكر الناظم لفظ أئمة هنا مع أن همزته الثانية متوسطة تحقيقا لا تنزيلا كما قررناه تبعا لأبي عمرو في جمعه: "أئمة" مع: "أئفكا"، ونظائره.

      وأما "أئذا" الذي في سورة "المزن"، أي: "الواقعة" فهو: أإذا متنا وكنا ترابا ، دخلت همزة الاستفهام على: إذا، ثم سلك به مسلك: "أئفكا"، واحترز بقوله: في "المزن"، عن: "أئذا"، الواقع في غيرها، فإنه لم تصور فيه الهمزة المكسورة وهو متعدد في "الرعد" وغيرها.

      وأما "هؤلاء" فنحو: أنبئوني بأسماء هؤلاء ، دخلت "ها" التي للتنبيه على: "أولاء" الذي هو اسم الإشارة، فكان قياس همزته أن تصور ألفا؛ إذ هي مبتدأة اتصلت بها كلمة "ها" لكن لما نزل الجميع منزلة الكلمة صارت الهمزة بذلك التقدير في حكم المتوسطة، وهي بعد الألف فصورت واوا كالهمزة المضمومة بعد الألف المتوسطة حقيقة، وما اقتضاه كلام الناظم من أن الواو المرسومة في: "هؤلاء" صورة الهمزة هو مذهب أهل المصاحف، وذهب النحاة إلى أنها زائدة كالواو في: "أولاء"، و: "أولو". و: "أولي". وأن الهمزة غير مصورة.

      وأما "يبنؤم" ففي "طه": قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي . أضيف "ابن" المنادى إلى: "أم". فكان قياس همزة أم أن تصور ألفا؛ إذ هي مبتدأة لكن لما نزل الجميع منزلة الكلمة الواحدة صارت بذلك التقدير في حكم المتوسطة، فصورت واوا أيضا كالهمزة المضمومة بعد فتحة المتوسطة حقيقة، واحترز بقيد المجاور -وهو حرف النداء عن الخالي عنه- وهو في الأعراف: قال ابن أم . فإن همزة "أم" صورت ألفا، وهي منفصلة عن كلمة "ابن" في الرسم. وأما "أؤنبئكم" ففي [ ص: 159 ] "آل عمران": قل أأنبئكم بخير من ذلكم . دخلت همزة الاستفهام على: "أنبئكم" ثم سلك به مسلك: "يبنؤم"، فجملة الكلمات الأربع عشرة، منها ما صورت همزته واوا؛ وهو ثلاثة: هؤلاء، و: "يبنؤم"، و: "أونبئكم"، ومنها ما صورت همزته ياء، وهو باقي الكلمات، وإنما صورت كذلك مراعاة للغة من يجري هذا النوع من المبتدأة في التخفيف مجرى المتوسطة حقيقة، وسيأتي للناظم في فن الضبط ما يؤخذ منه كيفية ضبط هذه الكلمات.

      والباء في قوله: "بمراد"، سببية و: "مراد" بوزن اسم المفعول والمراد به المصدر وقوله: "لئن" مرفوع بفعل محذوف تقديره صور، والمعنى: صور بسبب إرادة الاتصال: "لئن"، ونظائره بالياء، و: "هؤلاء"، ونظائره بالواو وحذف آخر: "أؤنبئكم"، لضرورة الوزن.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية