الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      ومالك حض على الإتباع لفعلهم وترك الابتداع


      إذ منع السائل من أن يحدثا     في الأمهات نقط ما قد أحدثا


      وإنما رآه للصبيان     في الصحف والألواح للبيان


      والأمهات ملجأ للناس     فمنع النقط للالتباس

      لما استدل بالأحاديث التي أشار إليها في الأبيات قبل الدالة مع الإجماع المتقدم على وجوب الاقتداء بالصحابة -رضي الله عنهم- أكد الاستدلال على ذلك بما ورد عن إمام الأئمة، مالك بن أنس -رضي الله عنه- فأخبر أن مالكا حض أي: حث على الاتباع؛ أي: أفعال الصحابة في المصاحف، وعلى ترك الابتداع، أي: الاختراع وإحداث ما لم يكن فيها.

      ولما كان هذا الكلام الذي نسبه الناظم لمالك لم يقله صريحا وإنما هو لازم لجوابه الآتي عن سؤال من سأله علل نسبته لمالك بقوله: إذ منع، مالك السائل الآتي سؤاله من أن يحدث في الأمهات، أي: المصاحف الكمل الكبار، نقط المصاحف المحدثة في زمن السائل، وإنما رأى؛ أي: مالك جواز النقط للصبيان في الصحف، يعني الصغار، وفي الألواح للبيان والإيضاح لهم، والمراد بالصبيان المتعلمون، ولو كبارا، وسيأتي قريبا ما المراد بالنقط، وقد أشار الناظم بهذا إلى ما نقله الحافظ الداني في المحكم من قول مالك: ولا يزال الإنسان يسألني عن نقط القرآن فأقول له: أما الإمام من المصاحف فلا أرى أن ينقط، ولا يزاد في المصاحف ما لم يكن فيها، وأما المصاحف الصغار التي يتعلم فيها الصبيان وألواحهم فلا أرى في ذلك بأسا.

      قال عبد الله بن الحكم: وسمعت مالكا وقد سئل عن شكل المصاحف فقال: أما الإمهات فلا أراه، وأما المصاحف التي يتعلم فيها الغلمان فلا بأس. ا ه.

      وحاصله التفصيل بين [ ص: 20 ] الأمهات الكمل، فلا يجوز نقطها، وبين الصغار والألواح فيجوز، ويقابل قول مالك هذا قولان آخران:

      1 - أحدهما بجواز النقط مطلقا.

      2 - والآخر بكراهته مطلقا.

      وقد نسب في المحكم هذه الأقوال بأسانيدها إلى أربابها: وهي جارية أيضا في رسم الخموس، والعشور، ورسم أسماء السور، وما فيها من عدد الآي، والمراد بالنقط ما يشمل نقط الإعجام الدال على ذات الحرف، وشكل الإعراب ونحوه الدال على عارض الحرف، من فتح، وضم، وكسر، وسكون، وشد، ومد، ونحو ذلك، قال في ذيل المقنع: الناس في جميع أمصار المسلمين من لدن التابعين إلى وقتنا على الترخص في ذلك؛ يعني في شكل المصاحف ونقطها في الأمهات وغيرها، ولا يرون بأسا برسم فواتح السور وعدد آيها، والخموس، والعشور في مواضعها، والخطأ مرتفع عن إجماعهم. ا ه.

      قلت: ومن المعلوم أن العمل في وقتنا هذا على الترخص في ذلك وفي رسم أسماء السور، وعدد آيها، والأحزاب، والأرباع، والأثمان في مواضعها، لكن نقط الإعجام بالسواد، وما عداه بلون مختلف للسواد، ولا تخفى المعارضة بين حكاية الإجماع المذكور، وبين حكاية الأقوال الثلاثة المتقدمة.

      وقول الناظم: والأمهات ملجأ للناس، أي: مرجع لهم، والفاء في قوله: فمنع سببية، وقوله: للالتباس: نقل عن الناظم أنه قال: ليس هو تعليلا لمالك، ولا من كلامه، وإنما ذلك تبرع تبرعت به، وأخذته من كلام الحافظ في المحكم حيث لم يستجز نقط المصاحف بالسواد من الحبر وغيره، ونهى عنه; لأن السواد يحدث فيه تخليطا، ا ه. كلام الناظم. وعليه فقوله: منع مبني للنائب، والنقط نائب فاعله، والمانع هو الحافظ الداني في المحكم لا مالك، وإنما لم يجعل الناظم قوله: للالتباس علة لمنع مالك النقط; لأنه ليس في جواب مالك ما يدل عليه.

      وقول الناظم: للإتباع بقطع الهمزة مصدر أتبع بمعنى اتبع بوصل الهمزة، وإذ في قوله إذ منع للتعليل، ويحدثا بضم الياء من أحدث الرباعي، وألفه للإطلاق كألف أحدثا.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية