الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنها : قسمة المنافع بالمهايأة هل تجب الإجابة إليها أم لا ؟ المشهور عدم الوجوب ولم يذكر القاضي وأصحابه في المذهب سواه وفرقوا بين المهايأة والقسمة بأن القسمة إفراز أحد الملكين من الآخر والمهايأة معاوضة حيث كانت استيفاء للمنفعة من مثلها في زمن آخر ، وفيها تأخير أحدهما عن استيفاء حقه فلا يلزم بخلاف قسمة الأعيان ، ونص أحمد في رواية صالح وحنبل وأبي طالب في العبد المشترك إذا أعتق أحد الشريكين نصفه أو كاتبه فإنه يكون يوما لنفسه ويوما لسيده الباقي ، وتأوله القاضي [ ص: 146 ] على التراضي وهو بعيد ، وحكى أبو بكر في التنبيه فيه روايتين ، إحداهما : يكون يوما لنفسه ويوما لسيده ، والأخرى أن كسبه بينهما وهذا يدل على وقوع المهايأة حكما من غير طلب وفي المسألة وجه آخر أنه تجب المهايأة بالمكان دون الزمان لانتفاء تأخر استيفاء أحدهما لحقه في المهايأة بالأمكنة فهو كقسمة الأعيان واختاره صاحب المحرر وعلى القول بانتفاء الوجوب مطلقا فيجوز بالتراضي ، وهل تقع لازمة إذا كانت مدتها معلومة أو جائزة ؟ على وجهين . والمجزوم في الترغيب الجواز ، واختار صاحب المحرر اللزوم ، وعلى القول بالجواز لو رجع أحدهما قبل استيفاء نوبته فله ذلك وإن رجع بعد الاستيفاء غرم ما انفرد به وقال الشيخ تقي الدين لا ينفسخ حتى ينقضي الدور ويستوفي كل منهما حقه منه ، ويمكن أن يؤخذ ذلك من مسألة القسم وهي أن من له زوجتان فقسم لإحداهما ثم أراد أن يطلق الأخرى لم يجز له حتى يوفيها حقها من القسم لئلا يفوت حقها بالطلاق ، ولا يقال هذه القسمة لازمة بخلاف المهايأة لأنها إنما لزمت لأجل المساواة بين الزوجية ، ولهذا قال القاضي ومن اتبعه أن قسم الابتداء ليس بواجب ولو استوفى أحدهما شرطته ثم تلفت المنافع في الذكر الآخر قبل تمكنه من القبض ، فأفتى الشيخ تقي الدين رحمه الله بأنه يرجع على الأول ببدل حصته من تلك المدة التي استوفاها ما لم يكن قد رضي بمنفعة الزمن المتأخر على أي حال كان جعلا للتالف قبل القبض كالتالف في الإجارة قال وسواء قلنا القسمة إفراز أو بيع فإن المعادلة معتبرة فيها على القولين ولهذا ثبت فيها خيار العيب والتدليس انتهى .

وهذا على القول بالجواز ظاهر ، ولكن الشيخ رجح اللزوم . ويتخرج في الرجوع حينئذ وجهان بناء على الروايتين فيما إذا تقاسم الشريكان الدين في ذمم الغرماء ثم تلف أحدهما قبل القبض هل يستحق صاحبه الرجوع على الآخر فيما قبضه أم لا ؟ على روايتين نقلهما معا ابن منصور في مسائله عن أحمد ، ورواية الرجوع حملها الأصحاب على أن القسمة لم تصح ، لكن المراد بقولهم لم تصح أنها غير لازمة لأن القبض بها محرم باطل ، ولهذا قالوا لو قبض شيئا بإذن شريكه لانفرد به على الصحيح فيكون حينئذ شبهه بالمهايأة .

التالي السابق


الخدمات العلمية