الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ الثانية عشرة ] الدين هل يمنع انتقال التركة إلى الورثة أم لا ؟ في المسألة روايتان أشهرهما الانتقال ، وهو اختيار أبي بكر والقاضي وأصحابه قال ابن عقيل : هي المذهب وقد نص أحمد أن المفلس إذا مات سقط حق البائع من عين ماله لأن المال انتقل إلى ورثته .

والرواية الثانية : لا ينتقل ، نقلها ابن منصور في رجل مات وترك دارا وعليه دين فجاء الغرماء يبتغون المال وقال أحد بنيه : أنا أعطي ربع الدين ودعوا لي ربع الدار قال أحمد : هذه الدار للغرماء لا يرثونها ، يعني الأولاد ولا فرق بين ديون الله تعالى وديون الآدميين ولا بين الديون الثابتة في الحياة والمتجددة بعد الموت لسبب منه يقتضي الضمان كحفر بئر ونحوه ، صرح به القاضي . وهل يعتبر كون الدين محيطا بالتركة أم لا ؟ ظاهر كلام طائفة اعتباره حيث فرضوا المسألة في الدين المستغرق ، وكلام أبي الخطاب في انتصاره كالصريح في قيمته ومنهم من صرح بالمنع من الانتقال وإن لم يكن مستغرقا ذكره في مسائل الشفعة وعلى القول بالانتقال فيتعلق حق الغرماء بها جميعا وإن لم يستغرقها الدين صرح به صاحب الترغيب وهل تعلق حقهم بها تعلق رهن أو جناية ؟ فيه خلاف يتحرر بتحرير مسائل :

( إحداها ) هل يتعلق جميع الدين بالتركة وبكل جزء من أجزائها أو يتقسط ؟ صرح القاضي في خلافه بالأول إن كان الوارث واحدا وإن كان متعددا انقسم على قدر حقوقهم وتعلق بحصة كل وارث منهم قسطها من الدين وبكل جزء منها كالعبد المشترك إذا رهنه الشريكان بدين عليهما .

( والثانية ) : هل يمنع هذا التعلق من نفوذ التصرف ؟ وسنذكره والثالثة هل يتعلق الدين بعين التركة مع الذمة ؟ فيه للأصحاب ثلاثة أوجه :

أحدها ينتقل إلى ذمم الورثة قاله القاضي وأبو الخطاب في خلافيهما وابن عقيل ومنهم من قيده بالمؤجل ومنهم من خصه بالقول بانتقال التركة إليهم .

والثاني : هو باق في ذمة الميت . ذكره القاضي أيضا والآمدي وابن عقيل في فنونه وصاحب المغني وهو ظاهر كلام الأصحاب في ضمان دين الميت .

والثالث : يتعلق بأعيان التركة فقط قاله ابن أبي موسى ورد بلزوم براءة ذمة الميت فيها بالتلف وإذا عرف هذا فلهذا الاختلاف فوائد :

( منها ) نفوذ تصرف الورثة فيها ببيع أو غيره من العقود فإن قلنا بعدم الانتقال إليهم فلا إشكال في عدم النفوذ ، وإن قلنا بالانتقال فوجهان :

أحدهما : لا ينفذ ، قاله القاضي في المجرد وابن عقيل في باب الشركة [ ص: 400 ] من كتابيهما وحمل القاضي في غير المجرد رواية ابن منصور على هذا .

والثاني : ينفذ ، قاله القاضي وابن عقيل أيضا في الرهن والقسمة وجعلاه المذهب وإنما يجوز لهم التصرف بشرط الضمان قاله القاضي قال ومتى خلى الورثة بين التركة وبين الغرماء سقطت مطالبتهم بالديون ونصب الحاكم من يوفيهم منها ولم يملكها الغرماء بذلك . وهذا يدل على أنهم إذا تصرفوا فيما طولبوا بالديون كلها كما تقول في سيد الجاني إذا فداه : إنه يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ على رواية ، وكلام أحمد في رواية البرزاطي هاهنا يدل عليه وسنذكره وفي الكافي إنما يضمنون أقل الأمرين من قيمة التركة أو الدين وعلى الأول ينفذ العتق خاصة كعتق الراهن .

ذكره أبو الخطاب في انتصاره وحكى القاضي في المجرد في باب العتق في نفوذ العتق مع عدم العلم بالدين وجهين ، وأنه لا ينفذ مع العلم وجعل صاحب الكافي مأخذهما أن حقوق الغرماء المتعلقة بالتركة هل يملك الورثة إسقاطها بالتزامهم الأداء من عندهم أم لا ؟ ورواية ابن منصور السابقة تدل على أنهم لا يملكون ذلك وفي النظريات لابن عقيل أن عتق الورثة إنما ينفذ مع يسارهم دون إعسارهم اعتبارا بعتق موروثهم في مرضه ; لأن موروثهم كان ملكه ثابتا فيها بغير خلاف ولا ينفذ عتقه مع الإعسار فلأن لا ينفذ عتقهم مع إعسارهم والاختلاف في ملكهم أولى .

وهل يصح رهن التركة عند الغرماء ؟ قال القاضي في المجرد لا : يصح ، وعلل بأنها كالمرهونة عندهم بحقهم ، والمرهون لا يصح رهنه وبأن التركة ملك للورثة فلا يصح رهن ملك الغير بغير إذنه فعلى التعليل الأول لا يصح رهن الورثة لها من الغرماء ، وإن قيل : هي ملكهم ، وعلى الثاني : ينبغي أن يصح رهن الموصى لها إذا قلنا ليست ملكا للورثة .

التالي السابق


الخدمات العلمية