الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومنها ) ملكه بالميراث وهو منفق عليه في الجملة لكن هل يثبت له الملك بمجرد موت موروثه وتبين ذلك بخروجه حيا أو لم يثبت له الملك حتى ينفصل حيا ؟ فيه خلاف بين الأصحاب وهذا الخلاف مطرد في سائر أحكامه الثابتة له هل هي معلقة بشرط انفصاله حيا فلا يثبت قبله أو هي ثابتة له في حال كونه حاملا لكن ثبوتها مراعى بانفصاله حيا فإذا انفصل حيا تبينا ثبوتها من حين وجود أسبابها ، وهذا هو تحقيق معنى قول من قال هل الحمل له حكم أم لا ؟

والذي يقتضيه نص أحمد في الإنفاق على أمه من نصيبه أنه يثبت له الملك بالإرث من حين موت أبيه وصرح بذلك ابن عقيل وغيره من الأصحاب ، ونقل عن أحمد ما يدل على خلافه أيضا فروى عنه جعفر بن محمد في نصراني مات وامرأته نصرانية وكانت حبلى فأسلمت بعد موته ثم ولدت هل ترث ؟ قال : لا ، وقال إنما مات أبوه وهو لا يعلم ما هو وإنما يرث بالولادة وحكم له بحكم الإسلام [ ص: 182 ]

وقال محمد بن يحيى الكحال : قلت لأبي عبد الله مات نصراني وامرأته حامل فأسلمت بعد موته قال : ما في بطنها مسلم قلت يرث أباه إذا كان كافرا وهو مسلم ؟ قال لا يرثه فصرح بالمنع من إرثه من أبيه معللا بأن إرثه يتأخر إلى ما بعد ولادته ; لأنه قبل ذلك مشكوك في وجوده وإذا تأخر توريثه إلى ما بعد الولادة فقد سبق الحكم بإسلامه زمن الولادة إما بإسلام أمه كما دل عليه كلام أحمد هنا أو بموت أبيه على ظاهر المذهب ، والحكم بالإسلام لا يتوقف على العلم به بخلاف التوريث وهذا يرجع إلى أن التوريث يتأخر عن موت الموروث إذا انعقد سببه في حياة الموروث وأصول أحمد تشهد لذلك في إسلام القريب الكافر قبل قسمة الميراث ، وأما على ما صرح به ابن عقيل وغيره وهو مقتضى رواية الكحال في النفقة فيرث الحمل بموت أبيه ومنه وإن قلنا يحكم بإسلامه بموت أحد أبويه كما سبق تقريره في قاعدة اقتران الحكم ومانعه . وأما إن قيل : لا يحكم بإسلامه بموت أحد على ما ذكرناه واضح لا خفاء فيه وقد ألم به بعض الأصحاب وأما القاضي والأكثرون فاضطربوا في تخريج كلام أحمد وللقاضي في تخريجه ثلاثة أوجه : الأول : أن إسلامه قبل قسمة الميراث أوجب منعه من التوريث كما أن إسلام الكافر قبل قسمة ميراث المسلم يوجب توريثه اعتبارا بالقسمة في التوريث والمنع وهذه طريقة القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول وهي ظاهرة الفساد ; لأن إسلام قريب الكافر بعد موته وثبوت إرثه لا يسقط توريثه منه بغير خلاف فإن توريث المسلم قبل القسمة ثبت ترغيبا في الإسلام وحثا عليه وهذا المقصود ينعكس ههنا .

والثاني : أن هذه الصورة من جملة صور توريث الطفل المحكوم بإسلامه بموت أبيه منه ونصه هذا يدل على عدم التوريث فيكون رواية ثانية في المسألة وهذه طريقة القاضي في كتاب الروايتين وهي ضعيفة ; لأن أحمد صرح بالتعليل بغير ذلك ولأن توريث الطفل من أبيه الكافر وإن حكم بإسلامه بموته غير مختلف فيه حتى نقل ابن المنذر وغيره عليه الإجماع فلا يصح حمل كلام أحمد على ما يخالف الإجماع .

الثالث : أن الحكم بإسلام هذا الطفل جعل بشيئين بموت أبيه وإسلام أمه . وهذا الثاني مانع قوي ; لأنه متفق عليه فلذلك [ منع ] الميراث بخلاف الولد المنفصل إذا مات أحد أبويه فإنه يحكم بإسلامه ولا يمنع إرثه ; لأن المانع فيه ضعيف للاختلاف فيه وهذه طريقة القاضي في خلافه وهي ضعيفة أيضا ومخالفة لتعليل أحمد فإن أحمد إنما علل بسبق المانع لتوريثه لا بقوة المانع وضعفه وإنما ورث أحمد من حكم بإسلامه بموت أحد أبويه لمقارنة المانع لا لضعفه

التالي السابق


الخدمات العلمية