الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومنها ) الضمان فإذا ضمن اثنان دية رجل لغريمه فهل كل واحد منهما ضامن لجميع الدين أو بالحصة على وجهين :

أحدهما : كل منهما ضامن للجميع نص عليه أحمد في رواية مهنا في رجل له على رجل ألف درهم فكفل بها كفيلان كل واحد منهما كفيل ضامن فأيهما شاء أخذ جميع حقه منه وكذا قال أبو بكر في التنبيه فيمن قال للرجل ألق متاعك في البحر على أني وركبان السفينة ضمناء فألقاه ضمنه دونهم إلا أن يتطوعوا بالضمان معه .

وقد يكون مأخذ أبي بكر أن هذا من باب التغرير فإنه إنما ألقاه ظنا منه أن قيمته ترد عليه اعتمادا على قول هذا القائل فلذلك لزمه الضمان وعلى هذا فيفرق بين أن يكون صاحب المتاع عالما بالحكم أو جاهلا [ به ] .

والوجه الثاني : أن الضمان بالحصة إلا أن يصرحوا بما يقتضي خلافه مثل أن يقولوا ضمنا لك ، وكل واحد منا الألف التي لك على فلان فإن كل واحد يلزمه الألف حينئذ . وأما مع إطلاق ضمان الألف منهم بالحصة وهذا قول القاضي في المجرد والخلاف وصاحب المغني وذكر ابن عقيل في المسألة احتمالين وبناه القاضي على أن الصفقة تتعدد بتعدد الضامنين فيصير الضمان موزعا عليهما وعلى هذا فلو كان المضمون دينا متساويا على رجلين فهل يقال كل واحد منهما ضامن لنصف الدينين أو كل منهما ضامن لأحدهما بانفراد ؟ إذا قلنا بصحة ضمان المبهم يحتمل وجهين والأول أشبه بكلام الأصحاب ، وشبيه بهذه المسألة [ ص: 255 ] ما إذا كفل اثنين شخصا لآخر فسلمه أحدهما إلى المكفول له فهل يبرأ الكفيل الآخر أم لا على وجهين : أشهرهما أنه لا يبرأ ; لأنهما كفالتان والوثيقتان إذا انحلت إحداهما بغير توفية بقيت الأخرى كالضامنين إذا برئ أحدهما وهذا قول القاضي وأصحابه .

والثاني : يبرأ ; لأن التوفية قد وجدت بالتسليم فهو كما لو سلم المكفول نفسه أو وفى أحد الضامنين الدين وهو احتمال في الكافي وقول الأزجي في نهايته وهو ظاهر كلام السامري في فروقه وهو يعود إلى أنها كفالة واحدة والأظهر أنهما إن كفلا كفالة الاشتراك فإن قالا : كفلنا لك زيدا نسلمه إليك فإذا سلمه أحدهما برئ الآخر ; لأن التسليم الملتزم واحد فهو كأداء أحد الضامنين للمال ، وإن كفلا كفالة انفراد واشتراك بأن قالا كل واحد منها كفيل لك بزيد فكل منهما ملتزم له إحضارا فلا يبرأ بدونه ما دام الحق باقيا على المكفول فهو كما لو كفلا عقدين متفرقين وهذا قياس قول القاضي في ضمان الرجلين للدين .

التالي السابق


الخدمات العلمية