الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما مضر

فأمه سودة بنت عك ،
وأخوه لأبيه وأمه: إياد ، ولهما أخوان من أبيهما واسمهما: ربيعة وأنمار .

وقد قال الزبير بن بكار: إن نزار بن معد لما حضرته الوفاة أوصى بنيه ، وقسم ماله بينهم ، فقال: يا بني ، هذه القبة - وهي من أدم حمراء - وما أشبهها من مالي لمضر ، فسمي مضر الحمراء . وهذا الخباء الأسود وما أشبهه من مالي لربيعة فخلف خيلا دهما ، فسمي ربيعة الفرس . وهذه الخادم وما أشبهها من مالي لإياد - وكانت شمطاء - فأخذ البلق والنقد من غنمه وهذه البدرة ، والمجلس لأنمار يجلس فيه ، فأخذ أنمار ما أصابه . وقال: فإن أشكل عليكم في ذلك شيء واختلفتم في القسمة فعليكم بالأفعى الجرهمي . فاختلفوا في القسمة ، فذهبوا إلى الأفعى . فبينما هم في مسيرتهم إذ رأى مضر كلأ قد رعي ، فقال: إن البعير الذي قد رعى هذا الكلأ لأعور ، وقال ربيعة: إنه أزور ، وقال إياد: هو أبتر . وقال أنمار: هو شرود .

فلم يسيروا إلا قليلا حتى لقيهم رجل توضع به راحلته ، فسألهم عن البعير ، فقال مضر: هو أعور؟ قال: نعم . وقال ربيعة: هو أزور؟ قال: نعم . وقال إياد: هو أبتر؟

[ ص: 234 ]

قال: نعم . وقال أنبار: هو شرود؟ قال: نعم ، هذه والله صفة بعيري ، دلوني عليه ، فحلفوا: ما رأوه . فلزمهم وقال: كيف أصدقكم وأنتم تصفون بعيري! فساروا جميعا حتى قدموا نجران ، فنزلوا بالأفعى الجرهمي ، فنادى صاحب البعير: إن بعيري عند هؤلاء الأقوام لأنهم وصفوا لي صفته . ثم قالوا: لم نره . فقال الجرهمي: كيف وصفتموه ولم تروه؟ فقال مضر: رأيته يرعى جانبا [ويدع جانبا] ، فعرفت أنه أعور . وقال ربيعة رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر والأخرى فاسدة الأثر ، فعرفت أنه أفسدها بشدة وطئه لازوراره . وقال إياد: عرفت أنه أبتر باجتماع بعره ، فلولا ذلك لمصع به . وقال أنمار:

عرفت أنه شرود ، لأنه يرعى بالمكان الملتف نبته ، ثم يجوزه إلى مكان آخر أرق [منه] نبتا وأخبث . فقال الجرهمي: ليسوا بأصحاب بعيرك ، فاطلبه ، ثم سألهم فأخبروه فرحب بهم ، ثم قال: أتحتاجون إلي وأنتم كما أرى! ثم دعا لهم بطعام فأكلوا وأكل ، وشربوا وشرب ، فقال مضر: لم أر كاليوم خمرا أجود ، لولا أنها نبتت على قبر ، وقال ربيعة: لم أر كاليوم لحما أطيب ، لولا أنه ربي بلبن كلبة . وقال إياد: لم أر كاليوم رجلا أسرى لولا أنه لغير أبيه الذي يدعى له . وقال أنمار: لم أر كاليوم كلاما أنفع في حاجتنا . [من كلامنا] .

وسمع الجرهمي الكلام فتعجب من قولهم وأتى أمه فسألها وهددها ، فأخبرته [ ص: 235 ] أنها كانت تحت ملك لا يولد له ، وكرهت أن يذهب الملك ، فأمكنت رجلا من نفسها كان نزل بها ، فوطئها فحملت به ، وسأل القهرمان عن الخمر ، فقال: من حبلة غرستها على قبر أبيك ، وسأل الراعي عن اللحم ، فقال: شاة أرضعتها بلبن كلبة ، ولم يكن ولد في الغنم شاة غيرها . فقيل لمضر: من أين عرفت الخمر ونباتها على قبر؟ قال:

لأنه أصابني عليها عطش شديد ، وقيل لربيعة: فبم؟ قال: فذكر كلاما .

فأتاهم الجرهمي فقال: صفوا لي صفتكم . فقصوا عليه ما أوصاهم به أبوهم ، فقضى بالقبة الحمراء والدنانير والإبل - وهي حمر - لمضر ، وقضى بالخباء الأسود والخيل الدهم لربيعة ، وقضى بالخادم - وكانت شمطاء - وبالماشية البلق لإياد ، وقضى بالأرض والدراهم لأنمار .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال:

أخبرنا أحمد بن معروف قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا خالد بن خداش قال: أخبرنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب ، عن عبد الله بن خالد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

" لا تسبوا مضر فإنه كان قد أسلم "

التالي السابق


الخدمات العلمية