الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وولي هاشم بعد أبيه عبد مناف السقاية والرفادة ، وأطعم الناس ، فحسده أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، وكان ذا مال فتكلف ، أن يصنع صنيع هاشم ، فعجز عنه ، فشمت به ناس من قريش ، فغضب ونال من هاشم ، فدعاه إلى المنافرة ، فكره هاشم ذلك ، فلم تدعه قريش ، وأحفظوه ، قال: فإني أنافرك على خمسين ناقة سود الحدق ، تنحرها [ببطن] مكة ، والجلاء عن مكة عشر سنين . فرضي بذلك أمية ، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي ، فنفر هاشما عليه ، فأخذ هاشم الإبل فنحرها ، وأطعمها من حضره ، [ ص: 213 ] وخرج أمية إلى الشام ، فأقام بها عشر سنين فكانت هذه أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية .

أنبأنا يحيى بن الحسن البنا . قال: أخبرنا ابن المسلمة قال: أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال: أخبرنا الزبير بن بكار قال: حدثني عمر بن أبي بكر الموصلي قال: حدثني يزيد بن عبد الملك بن المغيرة ، عن نوفل ، عن أبيه قال :

اصطلحت قريش على أن يولى هاشم بن عبد مناف السقاية والرفادة ، وذلك أن عبد شمس كان يسافر قبل ما يقيم بمكة ، وكان رجلا مقلا ، وكان هاشم رجلا موسرا ، وكان إذا حضر الحج قام في قريش ، وقال: يا معشر قريش ، إنكم جيران الله ، وأهل بيته ، وإنه يأتيكم في هذا الموسم نفار الله ، يعظمون حرمة بيته ، وهم ضيف الله ، وأحق الضيف بالكرامة [ضيفه] وقد خصكم الله بذلك ، وأكرمكم به ، فأكرموا ضيفه ، فإنهم يأتون شعثا غبرا من كل بلد ، وقد أوجفوا وثقلوا وأرملوا ، فأقروهم وأعينوهم ، فكانت قريش ترافد على ذلك حتى إن كان أهل البيت ليرسلون بالشيء اليسير على قدرهم ، وكان هاشم يخرج كل سنة مالا كثيرا ، فكان يأمر بحياض من أدم فيجعل في موضع زمزم قبل أن تحفر ، ثم يستقي فيها من الآبار التي بمكة فيشرب الحاج ، وكان يطعمهم قبل التروية بيوم بمكة وبمنى وبجمع وبعرفة ، وكان يثرد لهم الخبز والشحم والسمن والسويق [والتمر] ويحمل لهم الماء ، وكان هاشم أول من سن الرحلتين: رحلة إلى أرض الحبشة إلى النجاشي ورحلة إلى أرض الشام ، وربما دخل على قيصر فيكرمه ، فمات بغزة . [ ص: 214 ]

قال الزبير وحدثني محمد بن حسن عن محمد بن طلحة ، عن عثمان بن عبد الرحمن [قال] : قال ابن عباس :

والله لقد علمت قريش أن أول من أخذ لها الإيلاف وأجاز لها العيرات هاشم ، والله ما نبذت قريش خيلا ، ولا أناخت بعيرا بحضر إلا لهاشم ، والله إن أول من سقى بمكة ماء عذبا وجعل باب الكعبة ذهبا لعبد المطلب .

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو الطيب الطبري قال: أخبرنا المعافى بن زكريا قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد جعفر الأزدي قال: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال: حدثني محمد بن الحسين قال: أخبرنا سليمان بن حرب قال: أخبرنا أبو هلال الراسبي ، عن حميد بن هلال قال:

تفاخر رجلان من قريش رجل من بني هاشم ورجل من بني أمية ، فقال هذا:

قومي أسخى من قومك . وقال هذا: قومي أسخى من قومك . فقال: سل في قومك حتى أسأل في قومي . فافترقا على ذلك فسأل الأموي عشرة من قومه فأعطوه مائة ألف ، كل واحد [منهم] عشرة آلاف . قال: وجاء الهاشمي إلى عبد الله بن عباس فأعطاه مائة ألف ، ثم أتى الحسن بن علي فسأله: هل أتيت أحدا قبلي؟ نعم عبد الله بن العباس فأعطاني مائة ألف . قال : فأعطاه الحسن مائة ألف وثلاثين ألفا ، ثم أتى الحسين فسأله ، فقال: هل أتيت أحدا قبلي قبل أن تأتيني ؟ قال: نعم ، أخاك الحسن ، فأعطاني مائة ألف وثلاثين ألفا ، قال: لو أتيتني قبل أن تأتي أخي أعطيتك أكثر من ذلك ولكن لا أزيد على سيدي [قال] : فأعطاه مائة ألف وثلاثين ألفا . [ ص: 215 ]

قال: فجاء الأموي بمائة ألف من عشرة . وجاء الهاشمي بثلاثمائة ألف وستين ألف من ثلاثة . فقال الأموي: سألت عشرة من قومي فأعطوني مائة ألف . وقال الهاشمي: سألت ثلاثة من قومي فأعطوني ثلاثمائة ألف وستين ألفا . قال: فعجز الهاشمي [على] الأموي ، فرجع الأموي إلى قومه فأخبرهم الخبر ، ورد عليهم المال فقبلوه ، ورجع الهاشمي إلى قومه فأخبرهم الخبر ورد عليهم المال فأبوا أن يقبلوه ، وقالوا: لم نكن لنأخذ شيئا قد أعطيناه . .

وقد روى هشام عن أشياخ له: أن عبد المطلب بن هاشم وحرب بن أمية رحلا إلى النجاشي [الحبشي] فأبى أن ينفر بينهما فجعلا بينهما نفيل بن عبد العزى بن رباح فقال لحرب: يا أبا عمرو ، أتنافر رجلا هو أطول منك قامة ، وأعظم منك هامة ، وأوسم منك وسامة وأكثر منك ولدا ، فنفره عليه ، فقال له حرب: إن من انتكاث [الزمان] أن جعلناك حكما .

وكان أول من مات من ولد عبد مناف ابنه هاشم ، مات بغزة من أرض الشام ، ثم مات عبد شمس بمكة فقبر بأجياد ، ثم مات نوفل بالسلمان من طريق العراق ، ثم مات المطلب بردمان من أرض اليمن ، وكانت الرفادة ، والسقاية بعد هاشم إلى أخيه المطلب . [ ص: 216 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية