الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4775 حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو عامر حدثنا محمد بن هلال أنه سمع أباه يحدث قال قال أبو هريرة وهو يحدثنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس معنا في المجلس يحدثنا فإذا قام قمنا قياما حتى نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه فحدثنا يوما فقمنا حين قام فنظرنا إلى أعرابي قد أدركه فجبذه بردائه فحمر رقبته قال أبو هريرة وكان رداء خشنا فالتفت فقال له الأعرابي احمل لي على بعيري هذين فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا وأستغفر الله لا وأستغفر الله لا وأستغفر الله لا أحمل لك حتى تقيدني من جبذتك التي جبذتني فكل ذلك يقول له الأعرابي والله لا أقيدكها فذكر الحديث قال ثم دعا رجلا فقال له احمل له على بعيريه هذين على بعير شعيرا وعلى الآخر تمرا ثم التفت إلينا فقال انصرفوا على بركة الله تعالى

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( فإذا قام قمنا ) : أي لانفضاض المجلس لا للتعظيم ؛ لأنهم ما كانوا يقومون له مقبلا فكيف يقومون له مدبرا ( قياما ) : أي وقوفا ممتدا ( حتى نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه ) : ولعلهم كانوا ينتظرون رجاء أن يظهر له حاجة إلى أحد معهم أو يعرض له رجوع إلى الجلوس معهم ، فإذا أيسوا تفرقوا ولم يقعدوا لعدم حلاوة الجلوس بعده صلى الله عليه وسلم - ( فجبذه ) : أي جذبه ( بردائه ) : أي ردائه صلى الله عليه وسلم - ( فحمر ) : من التحمير ، وهذا من عادة جفاة العرب وخشونتهم وعدم تهذيب أخلاقهم .

                                                                      وقيل لعله كان من المؤلفة ولهذا قال ما قال ( فالتفت ) : أي النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأعرابي : ( فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا ) : أي لا أحمل لك من مالي ( وأستغفر الله ) : أي إن كان الأمر على خلاف ذلك .

                                                                      قال السيوطي في مرقاة الصعود : وهذا من حسن العبارة ؛ لأن حذف الواو يوهم نفي الاستغفار ، وقال الفخر الرازي : روي عن أبي بكر الصديق أنه دخل السوق فقال لبياع : أتبيع هذا الثوب؟ فقال : لا عافاك الله ، قال له أبو بكر : لو علمتم قل لا وعافاك الله .

                                                                      وهذا من لطائف النحو ؛ لأنه عند حذفها يوهم كونه دعاء عليه ، وعند ذكر الواو لا يبقى ذلك الاحتمال . انتهى .

                                                                      ( حتى تقيدني ) : من الإقادة ( فكل ذلك يقول له الأعرابي والله لا [ ص: 111 ] أقيدكها ) : أي الجبذة وكأنه أراد لكمال كرمه صلى الله عليه وسلم أنه يعفو البتة . وفي رواية النسائي بعد قوله ولا من مال أبيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وأستغفر الله لا أحمل لك حتى تقيدني مما جبذت برقبتي ، فقال الأعرابي لا والله لا أقيدك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات كل ذلك يقول لا والله لا أقيدك ( فذكر الحديث ) .

                                                                      وقد ذكر النسائي ما حذفه المؤلف ففيه فلما سمعت قول الأعرابي أقبلنا إليه سراعا فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال عزمت على من سمع كلامي أن لا يبرح مقامه حتى آذن له ( ثم دعا ) : أي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث بيان كمال خلقه صلى الله عليه وسلم وحلمه وصفحه .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه النسائي ، وقال الدارقطني تفرد به محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

                                                                      وسئل الإمام أحمد عن محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة فقال ثقة وقال مرة ليس به بأس قيل أبوه قال لا أعرفه . وسئل أبو حاتم الرازي عن محمد بن هلال قال صالح وأبوه ليس بالمشهور .

                                                                      2 باب في الوقار




                                                                      الخدمات العلمية