الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4737 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ثم يقول كان أبوكم يعوذ بهما إسماعيل وإسحق قال أبو داود هذا دليل على أن القرآن ليس بمخلوق

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ ) بضم الياء وكسر الواو الثقيلة وذال معجمة أي يطلب من الله عصمة ( بكلمات الله التامة ) أي الخالية عن العيوب أو الوافية في دفع ما يتعوذ منه ( وهامة ) بتشديد الميم وهي كل ذات سم ( ومن كل عين لامة ) أي ذات لمم وهو القرب من الشيء .

                                                                      ( أبوكم ) أي إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - لأنه أبو العرب ( بهما ) كذا في بعض النسخ وفي بعضها بها بضمير الواحد المؤنث وكذلك في رواية البخاري وهو الظاهر ، أي يعوذ بهذه الكلمات المذكورة

                                                                      ( قال أبو داود : هذا دليل على أن القرآن ليس بمخلوق ) قال الخطابي في المعالم : وكان أحمد بن حنبل يستدل بقوله " بكلمات الله التامة على أن القرآن غير مخلوق ، وما من كلام مخلوق إلا وفيه نقص ، فالموصوف منه بالتمام هو غير مخلوق ، وهو كلام الله سبحانه . انتهى .

                                                                      [ ص: 55 ] قال الحافظ في الفتح : قال ابن بطال : استدل البخاري بقوله تعالى : حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق على أن قول الله قديم ؛ لأنه قائم بصفاته لم يزل موجودا به ، ولا يزال كلامه لا يشبه المخلوقين ، خلافا للمعتزلة التي نفت كلام الله تعالى .

                                                                      وقال البيهقي في كتاب الاعتقاد : القرآن كلام الله ، وكلام الله صفة من صفات ذاته ، وليس شيء من صفات ذاته مخلوقا ولا محدثا ولا حادثا ، قال تعالى : إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فلو كان القرآن مخلوقا لكان مخلوقا بكن ، ويستحيل أن يكون قول الله لشيء بقول لأنه يوجب قولا ثانيا وثالثا فيتسلسل وهو فاسد ، وقال الله تعالى : الرحمن علم القرآن خلق الإنسان فخص القرآن بالتعليم لأنه كلامه وصفته ، وخص الإنسان بالتخليق لأنه خلقه ومصنوعه ، ولولا ذلك لقال خلق القرآن والإنسان .

                                                                      وقال الله تعالى : وكلم الله موسى تكليما ولا يجوز أن يكون كلام المتكلم قائما بغيره .

                                                                      وقال تعالى : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا الآية ، فلو كان لا يوجد إلا مخلوقا في شيء مخلوق لم يكن لاشتراط الوجوه المذكورة في الآية معنى لاستواء جميع الخلق في سماعه من غير الله ، فبطل قول الجهمية إنه مخلوق في غير الله ، ويلزمهم في قولهم إن الله خلق كلاما في شجرة كلم به موسى أن يكون من سمع كلام الله من ملك أو نبي أفضل في سماع الكلام من موسى يلزمهم أن تكون الشجرة هي المتكلمة بما ذكر الله أنه كلم به موسى وهو قوله : إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني .

                                                                      وقد أنكر الله تعالى قول المشركين إن هذا إلا قول البشر ولا يعترض بقوله تعالى : إنه لقول رسول كريم لأن معناه قول تلقاه عن رسول كريم كقوله تعالى : فأجره حتى يسمع كلام الله ولا بقوله : إنا جعلناه قرآنا عربيا لأن معناه سميناه قرآنا ، وهو كقوله : وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون وقوله : ويجعلون لله ما يكرهون وقوله : ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فالمراد أن تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه . وبهذا احتج الإمام أحمد ، ثم ساق البيهقي حديث نيار - بكسر النون وتخفيف التحتانية - ابن مكرم أن أبا بكر قرأ عليهم سورة الروم فقالوا هذا كلامك أو كلام صاحبك؟ قال ليس كلامي ولا كلام صاحبي ولكنه كلام الله . وأصل هذا الحديث أخرجه الترمذي مصححا .

                                                                      [ ص: 56 ] وقال ابن حزم في الملل والنحل : أجمع أهل الإسلام على أن الله تعالى كلم موسى وعلى أن القرآن كلام الله ، وكذا غيره من الكتب المنزلة والصحف .

                                                                      قال الحافظ بعدما أطال الكلام : والمحفوظ عن جمهور السلف ترك الخوض في ذلك والتعمق فيه والاقتصار على القول بأن القرآن كلام الله وأنه غير مخلوق ثم السكوت عما وراء ذلك .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه .




                                                                      الخدمات العلمية