الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو كانت الأرض لمسلم باعها من نصراني ) يريد به ذميا غير تغلبي ( وقبضها فعليه الخراج عند أبي حنيفة رحمه الله ) ; لأنه أليق بحال الكافر ( وعند أبي يوسف رحمه الله عليه العشر مضاعفا ) ويصرف مصارف الخراج اعتبارا بالتغلبي وهذا أهون من التبديل ( وعند محمد رحمه الله . هي عشرية على حالها ) ; لأنه صار مؤنة لها فلا يتبدل كالخراج ، ثم في رواية : يصرف مصارف الصدقات ، وفي رواية : يصرف مصارف الخراج ( فإن أخذها منه مسلم بالشفعة أو ردت على البائع لفساد البيع فهي عشرية كما كانت ) أما الأول فلتحول الصفقة إلى الشفيع كأنه اشتراها من المسلم ، [ ص: 254 ] وأما الثاني فلأنه بالرد والفسخ بحكم الفساد جعل البيع كأن لم يكن ، ولأن حق المسلم لم ينقطع بهذا الشراء لكونه مستحق الرد ( وإذا كانت لمسلم دار خطة فجعلها بستانا فعليه العشر ) [ ص: 255 ] معناه إذا سقاه بماء العشر ، وأما إذا كانت تسقى بماء الخراج ففيها الخراج ; لأن المؤنة في مثل هذا تدور مع الماء

التالي السابق


وإذا اشترى ذمي غير تغلبي خراجية أو تضعيفية بقيت على حالها ، ولو اشترى عشرية من مسلم فعند أبي حنيفة [ ص: 254 ] تصير خراجية إن استقرت في ملكه ، وإن لم تستقر بل ردت على البائع بفساد البيع أو بخيار شرط أو رؤية أو استحقها مسلم بشفعته عادت عشرية ولو بعد وضع الخراج لأن هذا الرد فسخ فيجعل البيع كأن لم يكن ، وبالاستحقاق بالشفعة تنتقل إلى المسلم الشفيع الصفقة كأنه اشتراها من المسلم ، وكذا إذا ردها بعيب بقضاء لأن للقاضي ولاية الفسخ ، وأما بغير قضاء فهي خراجية لأنه إقالة وهو بيع في حق غيرها فصار شراء المسلم من الذمي بعد ما صارت خراجية فتصير على حالها ذكره التمرتاشي ، كما إذا أسلم هو واشتراها منه مسلم آخر ، وفي نوادر : ( زكاة ) المبسوط ليس له أن يردها لأن الخراج عيب حدث فيها في ملكه . وأجيب بأن هذا عيب يرتفع بالفسخ فلا يمنع الرد ، وهذا بناء على أن المراد بما في النوادر ليس له أن يلزمه بالرد بالقضاء للمانع فمنعه بأنه مانع يرتفع بالرد ، وهذا للعلم بأن الرد بالتراضي إقالة فلا يمتنع للعيب . هذا التفريع كله على القول بصيرورتها خراجية ، وهو قول أبي حنيفة .

وقال أبو يوسف : يضاعف عليه عشرها . وقال محمد : هي على حالها عشرية . ثم في رواية : تصرف مصارف العشر ، وفي أخرى : مصارف الخراج ، والأقوال الثلاثة بناء على جواز تبقيتها على ملكه . وقال مالك : لا تبقى بل يجبر على إخراجها عنه . وقال الشافعي في قول : لا يجوز البيع أصلا كقوله فيما إذا اشترى الذمي عبدا مسلما وفي قول : يؤخذ منه العشر والخراج معا . وعن شريك : لا شيء فيها قياسا على السوائم إذا اشتراها ذمي من مسلم . وجه قول الشافعي أن القول بصحة البيع يوجب تقرر العشر ومال الكافر لا يصلح له ، فالقول بصحته يستلزم الممتنع . وجه قوله الآخر أن العشر كان وظيفتها فتنتقل إليه بما فيها ثم يجب أن يوظف عليه الخراج لما نذكر في وجه قول أبي حنيفة فيجبان عليه جميعا . وجه قول مالك أن ماله لا يصلح للعشر لما فيه من معنى العبادة ، ولا يمكن تغييره لتعلق حق الفقراء فيها فيجب إجباره على إخراجها عن ملكه إبقاء لحق الفقراء . وجه قول محمد أن معنى العبادة في العشر تابع فيمكن إلغاؤه قياسا على الخراج لما كان معنى العقوبة فيه تابعا ألغي في حق المسلم فتقرر عليه بقاء .

وجه قول أبي يوسف أن تضعيف ما يؤخذ من المسلم على الذمي ثابت في الشرع كما إذا مر على العاشر ولم يكن عليه قبله فعلم أن ما يؤخذ من المسلم إذا ثبت أخذه من الذمي يضعف عليه . وجه قول أبي حنيفة أنه تعذر التضعيف لأنه إنما يثبت بحكم الصلح أو التراضي كما في التغلبيين ، وتعذر العشر لما فيه من معنى العبادة وإن سلم كونه تابعا فإنه ليس أهلا لشيء منها ، والأرض لا تخلو عن وظيفة مقررة فيها شرعا بخلاف السائمة على ما قدمنا ، وبه ينتفي قول شريك فتعين الخراج وهو الأليق بحال الكافر لاشتماله على معنى العقوبة والحاصل أن هذا مما منع [ ص: 255 ] بقاء الوظيفة فيه مانع فيندرج في ذلك الاستثناء السابق .

هذا ثم إلى الآن لم يحصل جواب قول مالك أن التغيير إبطال لحق الفقراء بعد تعلقه فلا يجوز والتضعيف أيضا إبطال له ; لأن مصرف العشر المضاعف مصارف الجزية ، وإبقاء حقهم غير ممكن لأن ماله غير صالح له ، فلما لم يكن فيها إحدى الوظائف الثلاثة ، ولا إخلاؤها مطلقا وجب إجباره على إخراجها ، كما إذا اشترى الذمي عبدا مسلما عندنا يصح ، ويجبر على إخراجه عن ملكه . فإن قلت : فقول الشافعي بعدم الصحة حينئذ أول لأنه تعذرت الوظائف والإخلاء فوجب أن لا تبقى فلا فائدة في تصحيح العقد ثم الإجبار على الإخراج . فالجواب : أن نفي الفائدة مطلقا ممنوع إذ قد يستتبع فائدة التجارة والاكتساب أو قصد الهبة في أغراض كثيرة فيجب التصحيح .

( قوله فجعلها بستانا ) قيد به لأنه لو لم يجعلها بستانا وفيها نخل تغل أكرارا لا شيء فيها . ( قوله لأن الوظيفة تدور في مثله مع الماء ) ، فإذا كان الماء خراجيا ففيها الخراج وإن كانت عشرية في الأصل سقط عشرها باختطاطها دارا ، وإن سقيت بماء العشر فهي عشرية ، وإن كانت خراجية سقط خراجها بالاختطاط أيضا ، فالوظيفة في حقه تابعة للماء ، وليس في جعلها خراجية إذا سقيت بماء الخراج ابتداء توظيف الخراج على المسلم كما ظنه جماعة منهم الشيخ حسام الدين السغناقي في النهاية ، وأيد عدم امتناعه بما ذهب إليه أبو اليسر من أن ضرب الخراج على المسلم ابتداء جائز ، وقول شمس الأئمة لا صغار في خراج الأراضي إنما الصغار في خراج الجماجم بل إنما هو انتقال ما تقرر فيه الخراج بوظيفته إليه وهو الماء فإن فيه وظيفة الخراج ، فإذا سقي به انتقل هو بوظيفته إلى أرض المسلم ، كما لو اشترى خراجية ، وهذا لأن المقاتلة هم الذين حموا هذا الماء فثبت حقهم فيه وحقهم هو الخراج ، فإذا سقى به مسلم أخذ منه حقهم ، كما أن ثبوت حقهم في الأرض أعنى خراجها لحمايتهم إياها يوجب مثل ذلك ، وصرح محمد في أبواب السير من الزيادات : بأن المسلم لا يبتدأ بتوظيف الخراج وحمله السرخسي على ما إذا لم يباشر سبب ابتدائه بذلك ليخرج هذا الموضع ، وأنت علمت أن هذا ليس منه .

وقوله الوظيفة في مثله أي فيما هو ابتداء توظيف على المسلم من هذا ومن الأرض التي أحياها لا كل ما لم يتقرر أمره في وظيفة كما في النهاية بأن الذمي لو جعل دار خطته بستانا أو أحيا أرضا أو رضخت له لشهوده القتال كان فيها الخراج وإن سقاها بماء العشر عند أبي حنيفة رحمه الله




الخدمات العلمية