الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ويستحب أن يغتسل قبل الوقوف ويجتهد في الدعاء ( عرفات ) ) أما الاغتسال فهو سنة وليس بواجب ، ولو اكتفى بالوضوء جاز كما في الجمعة والعيدين وعند الإحرام . وأما الاجتهاد فلأنه صلى الله عليه وسلم اجتهد في الدعاء في هذا الموقف لأمته فاستجيب له إلا في الدماء والمظالم ( ويلبي في موقفه ساعة بعد ساعة ( بعرفات ) ) وقال مالك رحمه الله تعالى : يقطع التلبية كما يقف بعرفة لأن الإجابة باللسان قبل الاشتغال بالأركان . [ ص: 476 ] ولنا ما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام ما زال يلبي حتى أتى جمرة العقبة } ولأن التلبية فيه كالتكبير في الصلاة [ ص: 477 ] فيأتي بها إلى آخر جزء من الإحرام .

التالي السابق


( قوله { فاستجيب له إلا في الدماء والمظالم } ) روى ابن ماجه في سننه عن عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس أن أباه أخبره عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأمته عشية عرفة ، فأجيب : إني قد غفرت لهم ما خلا المظالم فإني آخذ للمظلوم منه ، فقال : أي رب إن شئت أعطيت المظلوم [ ص: 476 ] الجنة وغفرت للظالم فلم يجب عشية عرفة ، فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب إلى ما سأل ، قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو قال فتبسم ، فقال له أبو بكر رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي إن هذه لساعة ما كنت لتضحك فيها فما الذي أضحكك ، أضحك الله سنك ؟ قال : إن عدو الله إبليس لما علم أن الله قد استجاب دعائي وغفر لأمتي أخذ التراب فجعل يحثوه على رأسه ويدعو بالويل والثبور فأضحكني ما رأيت من جزعه } ورواه ابن عدي وأعله بكنانة ، وقال ابن حبان في كتاب الضعفاء : كنانة بن عباس بن مرداس السلمي يروي عن أبيه ، وروى عنه ابنه منكر الحديث جدا ، فلا أدري التخليط في حديثه منه أو من أبيه ، ومن أيهما كان فهو ساقط الاحتجاج وذلك لعظم ما أتى من المناكير عن المشاهير .

ورواه البيهقي وفيه { فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء فأجابه الله تعالى إني قد غفرت لهم ، قال : فتبسم } الحديث ثم قال : وهذا الحديث له شواهد كثيرة ، وقد ذكرناها في كتاب الشعب ، فإن صح بشواهده ففيه الحجة ، وإن لم يصح فقد قال الله تعالى { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وظلم بعضهم بعضا دون الشرك ا هـ .

قال الحافظ المنذري : وروى ابن المبارك عن سفيان الثوري عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال { وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تئوب فقال : يا بلال أنصت الناس ، فقام بلال رضي الله عنه فقال : أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنصت الناس فقال : معاشر الناس أتاني جبريل آنفا فأقرأني من ربي السلام وقال : إن الله عز وجل قد غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات ، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا رسول الله هذا لنا خاصة ؟ قال : هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة ، فقال عمر بن الخطاب : كثر خير ربنا وطاب } .

وفي كتاب الآثار قال محمد : أخبرنا أبو حنيفة رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن مالك الهمداني عن أبيه قال : خرجنا في رهط نريد مكة حتى إذا كنا بالربذة رفع لنا خباء فإذا فيه أبو ذر فأتينا فسلمنا عليه ، فرفع جانب الخباء فرد السلام فقال : من أين أقبل القوم ؟ فقلنا : من الفج العميق ، قال : فأين تؤمون ؟ قلنا : البيت العتيق ، قال : آلله الذي لا إله إلا هو ما أشخصكم غير الحج ؟ فكرر ذلك علينا مرارا ، فحلفنا له فقال : انطلقوا إلى نسككم ثم استقبلوا العمل .

وفي موطإ مالك عن طلحة بن عبيد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ما رئي الشيطان يوما هو أصغر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة ، وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عز وجل عن الذنوب العظام ، إلا ما رئي يوم بدر فإنه قد رأى جبريل يزع الملائكة } ( قوله ولنا ما روي ) أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة } وقد قدمناه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وحلفه عليه فزاد فيه ابن ماجه { فلما رماها قطع التلبية } والوجه الذي ذكره المصنف من المعنى يقتضي أن لا يقطع إلا عند الحلق لأن الإحرام باق قبله ، والأولى أن يقول : فيأتي بها إلى آخر الأحوال المختلفة في الإحرام فإنها كالتكبير وآخره مع القعدة لأنها آخر الأحوال




الخدمات العلمية