الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( فإذا غربت الشمس أفاض الإمام والناس معه على هينتهم حتى يأتوا المزدلفة ( يوم عرفة ) ) لأن النبي عليه الصلاة والسلام دفع بعد غروب الشمس ، ولأن فيه إظهار مخالفة المشركين ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يمشي على راحلته في الطريق على هينته ، فإن خاف الزحام فدفع قبل الإمام ولم يجاوز حدود عرفة أجزأه لأنه لم يفض من عرفة ، والأفضل أن يقف في مقامه كي لا يكون آخذا في الأداء قبل وقتها [ ص: 478 ] ولو مكث قليلا بعد غروب الشمس وإفاضة الإمام لخوف الزحام فلا بأس به . لما روي أن عائشة رضي الله عنها بعد إفاضة الإمام دعت بشراب فأفطرت ثم أفاضت .

[ ص: 477 ]

التالي السابق


[ ص: 477 ] قوله فإذا غربت الشمس أفاض الإمام والناس معه على هينتهم ) أخرج الإمام أبو داود والترمذي وابن ماجه عن علي رضي الله عنه قال { وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال : ثم أفاض حين غربت الشمس وأردف خلفه أسامة بن زيد وجعل يشير بيده على هينته والناس يضربون يمينا وشمالا ، فجعل يلتفت إليهم ويقول : أيها الناس عليكم السكينة ، ثم أتى جمعا فصلى بهم الصلاتين جميعا ، فلما أصبح أتى قزح فوقف عليه } صححه الترمذي .

وفي حديث جابر الطويل { فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس ، إلى أن قال : ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله وهو يقول بيده إلى منى : أيها الناس السكينة السكينة ، كلما أتى جبلا أرخى لها حتى تصعد } وأخرج مسلم أيضا عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما { وكان رديف رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال عشية عرفة وغداة جمع للناس حين أفاض : عليكم بالسكينة ، وهو كاف ناقته حتى دخل محسرا وهو من منى فقال : عليكم بحصى الخذف } فما في الصحيحين { أنه عليه الصلاة والسلام كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص } وفسر بأن العنق خطا فسيحة محمول على خطا الناقة ، لأنها فسيحة في نفسها إذا لم تكن مثقلة جدا .

( قوله ولأن فيه إظهار مخالفة المشركين ) فإنهم كانوا يدفعون قبل الغروب على ما روى الحاكم في المستدرك عن المسور بن مخرمة قال { خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد ، فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هذا الموضع إذا كانت الشمس على رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال على رءوسها وإنا ندفع بعد أن تغيب الشمس ، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام إذا كانت الشمس منهبطة } وقال : صحيح على شرط الشيخين ، قال : وقد صح بهذا سماع المسور بن مخرمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا كما يتوهم رعاع أصحابنا أن له رؤية بلا سماع .

( قوله فإن خاف الزحام فدفع قبل الإمام ) أي قبل الغروب ( ولم يجاوز حدود عرفة ) قيد به لأنه لو جاوزها قبل الإمام وقبل الغروب وجب [ ص: 478 ] عليه دم . وحاصله أنه إذا دفع قبل الغروب وإن كان لحاجة بأن ند بعيره فتبعه ، إن جاوز عرفة بعد الغروب فلا شيء عليه ، وإن جاوز قبله فعليه دم ، فإن لم يعد أصلا أو عاد بعد الغروب لم يسقط الدم ، وإن عاد قبله فدفع مع الإمام بعد الغروب سقط على الصحيح لأنه تداركه في وقته .

وجه مقابله أن الواجب مد الوقوف إلى الغروب وقد فات ولم يتدارك فيتقرر موجبه وهو الدم . قلنا : وجوب المد مطلقا ممنوع بل الواجب مقصود النفر بعد الغروب ووجوب المد ليقع النفر كذلك فهو لغيره ، وقد وجد المقصود فسقط ما وجب له كالسعي للجمعة في حق من في المسجد . وغاية الأمر فيه أن يهدر ما وقفه قبل دفعه في حق الركن ، ويعتبر عوده الكائن في الوقت ابتداء وقوفه ، أليس بذلك يحصل الركن من غير لزوم دم .

ولو تأخر الإمام عن الغروب دفع الناس قبله لدخول وقته ، ويكثر من الاستغفار والذكر من حين يفيض ، قال الله تعالى { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله } وقال تعالى { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } ( قوله لما روي أن عائشة ) روى ابن أبي شيبة بسنده عنها : أنها كانت تدعو بشراب فتفطر ثم تفيض ، فحمله المصنف على أن فعلها كان لقصد التأخير لخفة الزحام ، ويجوز أنه كان للاحتياط في تمكن الوقت ، وفيه دليل على عدم كراهة صوم يوم عرفة بعرفة لمن يأمن على نفسه سوء خلقه .

وقزح غير منصرف للعلمية والعدل من قازح اسم فاعل من قزح الشيء إذا ارتفع ، وهو جبل صغير في آخر المزدلفة ، والمستحب أن يدخل المزدلفة ماشيا والغسل لدخولها




الخدمات العلمية