الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6532 13 - حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب قال: سمعت يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة وعطاء بن يسار أنهما أتيا أبا سعيد الخدري، فسألاه عن الحرورية: أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا أدري ما الحرورية، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج في هذه الأمة - ولم يقل منها - قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرءون القرآن [ ص: 87 ] لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله إلى رصافه، فيتمارى في الفوقة هل علق بها من الدم شيء.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ؛ لأن الحرورية هم الخوارج ، وقد مر عن قريب.

                                                                                                                                                                                  وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري ، ومحمد بن إبراهيم هو التيمي ، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف ، وعطاء بن يسار ، ضد اليمين.

                                                                                                                                                                                  وفي السند ثلاثة من التابعين على نسق، واسم أبي سعيد الخدري : سعد بن مالك .

                                                                                                                                                                                  والحديث مر في مواضع كثيرة في علامات النبوة عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد ، وهذا السياق على لفظ أبي سلمة وحده، ومضى في الأدب عن عبد الرحمن بن إبراهيم ، وفي فضائل القرآن عن عبد الله بن يوسف .

                                                                                                                                                                                  قوله " عن الحرورية " قد مضى تفسيره عن قريب.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أسمعت " الهمزة للاستفهام على سبيل الاستخبار، والخطاب لأبي سعيد .

                                                                                                                                                                                  قوله: " النبي صلى الله تعالى عليه وسلم " منصوب بقوله " أسمعت " والمسموع محذوف، كذا في رواية الجميع، وقد بينه ابن ماجه في روايته عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة : قلت لأبي سعيد : هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الحرورية ؟

                                                                                                                                                                                  قوله: " قال لا أدري ما الحرورية " فإن قلت: سيجيء حديث أبي سعيد أيضا في أول الباب الذي يلي الباب المذكور، وفيه: وأشهد أن عليا رضي الله تعالى عنه قتلهم وأنا معه... الحديث، فهؤلاء الذين قتلهم، وهو معه هم الحرورية ، فكيف قال هنا لا أدري؟ قلت: معنى قوله هنا لا أدري أنه لم يحفظ فيهم بطريق النص بلفظ الحرورية ، وإنما وصف صفتهم التي سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم، وتلك الصفات لوجودها في الحرورية تدل على أنهم هم المراد ممن وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " يخرج في هذه الأمة " أي أمة النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ولم يقل منها " أي ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة بكلمة (من)، قوله " قوم " مرفوع لأنه فاعل (يخرج)، فإن قلت: وقع في رواية الطبراني من وجه آخر عن أبي سعيد بلفظ (من أمتي) ، ووقع في حديث مسلم عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه: سيكون بعدي من أمتي قوم، وله أيضا من طريق زيد بن وهب عن علي رضي الله تعالى عنه: يخرج قوم من أمتي، قلت: المراد بالأمة في حديث أبي سعيد أمة الإجابة، وفي رواية مسلم أمة الدعوة، وأما حديث الطبراني فضعيف، وقال النووي : فيه دلالة على فقه الصحابة وتحريرهم الألفاظ، وفيه إشارة من أبي سعيد إلى تكفير الخوارج ، وأنهم من غير هذه الأمة .

                                                                                                                                                                                  قوله: " يحقرون " بفتح الياء أي يستقلون، والضمير فيه يرجع إلى (قوم)، ولو قيل (تحقرون) بالخطاب فله وجه، وقد روى الطبراني عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة : يتعبدون، يحقر أحدكم صلاته وصيامه مع صلاتهم وصيامهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فينظر الرامي... إلخ " تمثيل لحال هؤلاء بحال الرامي المذكور بهذه الصفة في عدم حصول الفائدة من عبادتهم، كعدم حصول مقصود هذا الرامي من الرمية.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إلى نصله " ، وهو حديدة السهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إلى رصافه " بكسر الراء وبالصاد المهملة، جمع الرصفة، وهو العصب الذي يكون فوق مدخل النصل، وقال الكرماني : قال بعضهم محتجين بهذا التركيب بوقوع بدل الغلط في الكلام البليغ.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فيتمارى " أي فيشك، "في الفوقة" بضم الفاء، وهو موضع الوتر من السهم، وفي المخصص: وجمعه أفواق وفوق وفوقة بكسر الفاء، وعن أبي حنيفة : فوق وفوقة وقد يجعل الفوق واحدا ويجمع أفواقا، يريد أنهم لما تأولوا القرآن على غير الحق لم يحصل لهم بذلك أجر، ولم يتعلقوا بسببه بالثواب لا أولا ولا وسطا ولا آخرا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "هل علق " بكسر اللام.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية