الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وروى ابن سماعة عن محمد في رجل استأجر خبازا ليخبز له قفيزا من دقيق بدرهم ، فخبز ، فاحترق الخبز في التنور قبل أن يخرجه ، أو ألزقه في التنور ثم أخذه ليخرجه فوقع من يده في التنور فاحترق ، فلا أجرة له ; لأنه هلك قبل تمام العمل ; لأنه عمل الخبز لا يتم إلا بالإخراج من التنور ، فلم يكن قبل الإخراج خبز فصار كهلاك اللبن قبل أن يتمه ، قال : ولو أخرجه من التنور ووضعه وهو يخبز في منزل المستأجر فاحترق من غير جنايته فله الأجر ، ولا ضمان عليه في قول أبي حنيفة .

                                                                                                                                أما استحقاق الأجر فلأنه فرغ من العمل بإخراج الخبز من التنور ، وحصل مسلما إلى المستأجر لكونه في ملك المستأجر .

                                                                                                                                وأما عدم وجوب الضمان فلأن الهلاك من غير صنع الأجير المشترك لا يتعلق به الضمان عنده .

                                                                                                                                وأما على قول من يضمن الأجير المشترك فإنه ضامن له دقيقا مثل الدقيق الذي دفعه إليه ، ولا أجر له ، وإن شاء ضمنه قيمة الخبز مخبوزا وأعطاه الأجر ; لأن قبض الأجير قبض مضمون عندهما فلا يبرأ عن الضمان بوضعه في منزل مالكه ، وإنما يبرأ بالتسليم كالغاصب إذا وجب الضمان عليه عندهما ، فصاحب الدقيق بالخيار إن شاء ضمنه دقيقا وأسقط الأجر ; لأنه لم يسلم إليه العمل ، وإن شاء ضمنه خبزا فصار العمل مسلما إليه ، فوجب الأجر عليه قال : ولا أضمنه القصب ولا الملح ; لأن ذلك صار مستهلكا قبل وجوب الضمان عليه ، وحين وجب الضمان عليه لا قيمة له ; لأن القصب صار رمادا والملح صار ماء وكذلك الخياط الذي يخيط له في منزله قميصا ، فإن خاط له بعضه لم يكن له أجرته ; لأن هذا العمل لا ينتفع ببعضه دون بعضه فلا تلزم الأجرة [ ص: 206 ] إلا بتمامه ، فإذا فرغ منه ثم هلك فله الأجرة في قول أبي حنيفة ; لأن العمل حصل مسلما إليه لحصوله في ملكه .

                                                                                                                                وأما على قولهما فالعين مضمونة فلا يبرأ عن ضمانها إلا بتسليمها إلى مالكها ، فإن هلك الثوب فإن شاء ضمنه قيمته صحيحا ولا أجر له ، وإن شاء ضمنه قيمته مخيطا وله الأجر ; لما بينا ، ولو استأجر حمالا ليحمل له دنا من السوق إلى منزله فحمله حتى إذا بلغ باب درب الذي استأجره كسره إنسان فلا ضمان على الحامل في قول أبي حنيفة ، وله الأجر ، وهو على ما ذكرنا أن العمل إذا لم يكن له أثر ظاهر في العين كما وقع يحصل مسلما إلى المستأجر ، وذكر ابن سماعة عن محمد في رجل دفع ثوبا إلى خياط يخيطه بدرهم ، فمضى ، فخاطه ، ثم جاء رجل ففتقه قبل أن يقبضه رب الثوب فلا أجر للخياط ; لأن المنافع هلكت قبل التسليم فسقط بدلها قال : ولا أجبر الخياط على أن يعيد العمل ; لأنه لما فرغ من العمل فقد انتهى العقد ، فلا يلزمه العمل ثانيا ، وإن كان الخياط هو الذي فتق الثوب عليه أن يعيده ; لأنه لما فتقه فقد فسخ المنافع التي عملها ، فكأنه لم يعمل رأسا ، وإذا فتقه الأجنبي فقد أتلف المنافع بدليل أنه يجب عليه الضمان .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية