الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولا تجوز الوصية بسكنى داره ، أو خدمة عبده أو ظهر فرسه للمساكين في قول أبي حنيفة - عليه الرحمة - ، ولا بد من أن يكون ذلك لإنسان معلوم .

                                                                                                                                وعندهما - رحمهما الله - تجوز الوصية بذلك كله للمساكين ، كذا ذكر الكرخي في مختصره ، وذكر في الأصل ، والوصية بسكنى الدار ، وخدمة العبد أنها لا تجوز ، ولم يذكر فيها الاختلاف ، وإنما ذكره في الوصية بظهر الفرس .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما أن الوصية للمساكين وصية بطريق الصدقة ، والصدقة إخراج المال إلى الله سبحانه وتعالى ، والله عز وجل واحد معلوم ، ولهذا جازت الوصية بسائر الأعيان للمساكين فكذا بالمنافع ، ، ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن الموصى له بالخدمة .

                                                                                                                                والركوب ، والسكنى تلزمه النفقة على العبد ، والفرس ، والدار ; لأنه لا يمكنه الانتفاع إلا بعد بقاء الدين ، ولا يبقى عادة بدون النفقة فبعد ذلك لا يخلو إما أن تلزمه النفقة أو لا ، فإن لم تلزمه النفقة لا يمكن تنفيذ هذه الوصية ; لأنه لا يمكن إيجابها على الورثة ; لأن المؤنة لا تجب إلا على من له المنفعة ، والمنفعة للموصى له لا للورثة ، ولا يمكن الاستغلال بأن يستغل فينفق عليه من الغلة ; لأن الوصية لم تقع بالغلة ; ولأن الاستغلال يقع تبديلا للوصية ، وأنه لا يجوز فتعذر تنفيذ هذه الوصية ، وإن لزمه النفقة فكان هذا معاوضة معنى [ ص: 356 ] لا وصية ، ولا صدقة .

                                                                                                                                والجهالة تمنع صحة المعاوضة ، وهذا المعنى لا يوجد في الأعيان ، وفي الوصية لرجل بعينه ، وقيل : إن الوصية بظهر فرسه للمساكين ، أو في سبيل الله تبارك وتعالى فريعة مسألة الوقف ، أن عند أبي حنيفة رضي الله عنه لو جعل فرسه للمساكين وقفا في حال الحياة لا يجوز ، ولا تجوز الوصية به بعد الوفاة .

                                                                                                                                وعندهما لو جعله وقفا في حال حياته جاز فكذا إذا أوصى بعد وفاته ، وسواء كان الموصى به معلوما ، أو مجهولا فالوصية جائزة ; لأن هذه جهالة تمكن إزالتها من جهة الموصي ما دام حيا ، ومن جهة ورثته بعد موته فأشبهت جهالة المقر به في حال الإقرار ، وإنها لا تمنع صحة الإقرار ، بخلاف جهالة المقر له تمنع صحة الإقرار كذا جهالة الموصى له تمنع صحة الوصية أيضا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية