الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما الذي يرجع إلى نفس الركن فهو ما ذكرنا في الطلاق ، وهو أن يكون الركن عاريا عن الاستثناء رأسا كيفما كان الاستثناء وضعيا كان أو عرفيا عند عامة العلماء ، والكلام في الاستثناء في العتاق وبيان أنواعه وماهية كل نوع وشرائط صحته ، على نحو الكلام في باب الطلاق وقد ذكرنا ذلك كله في كتاب الطلاق ولا يختلفان إلا في شيء واحد وهو أنه يتصور استثناء بعض العدد في الطلاق ولا يتصور في العتاق ; لأن الطلاق ذو عدد فيتصور فيه استثناء بعض العدد ، والعتق لا عدد له فلا يتصور فيه استثناء بعض العدد ، وإنما يتصور استثناء بعض الجملة الملفوظة ، نحو أن يقول لعبيده : أنتم أحرار إلا سالما ; لأن نص الاستثناء مع نص المستثنى منه تكلم بالباقي ، ولو استثنى عتق بعض العبد يصح عند أبي حنيفة ، ولا يصح عندهما ; بناء على أن العتق يتجزأ عنده فيكون استثناء البعض من الكل فيصح ، وعندهما لا يتجزأ فيكون استثناء الكل من الكل فلا يصح ، وذكر ابن سماعة في نوادره عن محمد فيمن قال : غلاماي حران سالم وبريع إلا بريعا ، أن استثناءه جائز ; لأنه ذكر جملة ثم فصلها بقوله : سالم وبريع ، فانصرف الاستثناء إلى الجملة الملفوظ بها فكان استثناء البعض من الجملة الملفوظة فصح ، وليس كذلك ما إذا قال : سالم حر وبريع إلا سالما ; لأنه لما ذكر كل واحد منهما بانفراده كان هذا استثناء عن كل واحد منهما ، فكان استثناء الكل من الكل فلا يصح ، ولو قال [ ص: 86 ] أنت حر ، وحر إن شاء الله تعالى بطل الاستثناء في قول أبي حنيفة ، وقال أبو يوسف ومحمد : الاستثناء جائز ، وجه قولهما إن هذا كلام واحد معطوف بعضه على بعض بحرف العطف ، فلا يقع به الفصل بين المستثنى والمستثنى منه ، كما لو قال : أنت حر لله ، إن شاء الله تعالى ولأبي حنيفة إن قوله : حر وحر ، لغو ; لثبوت الحرية باللفظ الأول فكان فاصلا بمنزلة السكوت ، بخلاف قوله : أنت حر لله ، إن شاء الله تعالى ، ليس بلغو فلا يكون فاصلا ، وروى ابن سماعة في نوادره عن محمد في رجل له خمسة من الرقيق ، فقال : عشرة من مماليكي إلا واحدا أحرار أنه يعتق الخمسة جميعا ; لأنه لما قال : عشرة من مماليكي أحرار إلا واحدا ، فقد استثنى الواحد من العشرة ، والاستثناء تكلم بالباقي فصار كأنه قال : تسعة من مماليكي أحرار ، وله خمسة ، ولو قال ، ذلك عتقوا جميعا كذا هذا ، ولو قال : مماليكي العشرة أحرار إلا واحدا ، عتق منهم أربعة ; لأن هذا رجل ذكر مماليكه وغلط في عددهم بقوله : العشرة فيلغو هذا القول ويبقى قوله : مماليكي أحرار إلا واحدا ، ولو قال ذلك ، وله خمسة مماليك ، يعتق أربعة منهم كذا هذا ، والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية