الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا ) يحنث ( بخبز أو دقيق أو سويق في ) حلفه لا يأكل ( هذا البر إلا بالقضم من عينها ) لو مقلية كالبليلة في عرفنا أما لو قضمها نيئة فلا حنث إلا بالنية فتح وفي النهر عن الكشف المسألة على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يقول هذه الحنطة ويشير لصبرة وهي مسألة المختصر .

الثانية : أن يقول هذه بلا ذكر حنطة فيحنث بأكلها كيف كان ولو نيئة أو خبزا .

الثالثة : أن يقول حنطة فيحنث بأكلها ولو نيئة لا بنحو الخبز ولو زرعه [ ص: 775 ] لم يحنث بالخارج ( وفي هذا الدقيق حنث بما يتخذ منه كالخبز ونحوه ) كعصيدة وحلوى ( لا بسفه ) في الأصح كما مر في أكل عين النخلة ( والخبز ما اعتاده أهل بلد الحالف ) فالشامي بالبر واليمني بالذرة والطبري بخبز الأرز ، وبعض أهل القرى بالشعير ، فلو دخل بلد البر واستمر لا يأكل إلا الشعير لم يحنث إلا بالشعير لأن العرف الخاص معتبر فتح .

التالي السابق


( قوله إلا بالقضم من عينها ) أي عين البر وأنث ضميره لأنه يسمى حنطة أيضا ، وإلا بمعنى لكن : أي لكنه يحنث بقضمه من قضمت الدابة الشعير تقضمه من باب تعب كسرته بأطراف الأسنان ، ومن باب ضرب لغة مصباح قال في الفتح : وليس المراد حقيقة القضم : بل أن يأكل عينها بأطراف الأسنان أو بسطوحها ، وفي القهستاني فلو ابتلعه صحيحا حنث بالأولى كما في الكرماني فإنه احترز بالقضم ، عما يتخذ منه كالخبز والسويق ، فإنه لا يحنث به عنده لأن عين الحنطة مأكول وعندهما يحنث .

قلت : ومبنى الخلاف على أن الحقيقة المستعملة أولى من المجاز المتعارف عنده خلافا لهما فإن لفظ أكل الحنطة يستعمل حقيقة في أكل عينها فإن الناس يقلونها ويأكلونها فهو أولى من المجاز المتعارف وهو أن يراد بأكلت الحنطة أكل خبزها قال في الفتح : لفظ أكلت حنطة يحتمل أن يراد به كل من المعنيين ، فيترجح قوله لترجح الحقيقة عند مساواة المجاز ، بل الآن لا يتعارف في أكل الخبز منها إلا لفظ آخر وهو أكلت الخبز ثم قال : وهذا الخلاف إذا حلف على حنطة معينة ، أما لو حلف لا يأكل حنطة ينبغي أن يكون قوله كقولهما ذكره شيخ الإسلام ، ولا يخفى أنه تحكم والدليل المذكور المتفق على إيراده في جميع الكتب يعم المعينة والمنكرة وهو أن عينها مأكول . ا هـ . ( قوله لو مقلية كالبليلة ) قال في الفتح : فإن الناس يغلون الحنطة ويأكلونها وهي التي تسمى في عرف بلادنا بليلة وتقلى أيضا أي توضع جافة في القدر ثم تؤكل قضما ا هـ وحينئذ فقوله : كالبليلة الكاف فيه للتنظير إن كانت النسخ لو مقلية بالقاف ، أما إذا كانت بالغين المعجمة فهي للتمثيل والبليلة هي المسماة في عرف بلادنا سليقة لأنها تسلق بالماء المغلي ( قوله فلا حنث إلا بالنية ) ولو نوى ما يتخذ منها صح ولا يحنث بأكل عينها ذخيرة ( قوله وهي مسألة المختصر ) أي المتن أي أنه يحنث بأكل عينها لو مغلية أو مقلية لا لو نيئة ولا بنحو خبزها .

مطلب لا يأكل هذا البر

( قولة فيحنث بأكلها كيف كان ) لعل وجهه أنه إذا وجدت الإشارة بدون تسمية تعتبر ذات المشار إليه سواء بقيت على حالها أو حدث لها اسم آخر ( قوله فيحنث بأكلها ولو نيئة ) أي بخلاف الحنطة المعرفة وهو الوجه الأول فإنه لا يحنث بالنيء منها ، وأما عدم الحنث بالخبز ونحوه كالدقيق والسويق ، فقد اشترك فيه المعرفة والنكرة لتقيد الحلف بالاسم فإن الخبز ونحوه لا يسمى حنطة على الإطلاق ، بل يقال : خبز حنطة لكن يبقى الكلام في وجه الفرق بينهما في النيء حيث دخل في المنكر دون المعرف ، ولعل وجهه أن حنطة نكرة في سياق النفي ، فتعم جميع أنواع مسماها بخلاف المعرفة ، فإنها تنصرف إلى المعهودة في الأكل والنيء غير معهود فيه .

هذا [ ص: 775 ] غاية ما ظهر لي في توجيهه لكن ما ذكر من الفرق بينهما مبني على أن المنظور إليه لفظ حنطة ، أما لو نظرنا إلى لفظ أكلت الحنطة فإنه لا يظهر الفرق إذ قولك أكلت حنطة مثله في أنه يراد به حقيقته أو مجازه المستعمل على الخلاف بين الإمام وصاحبيه ، ويؤيده ما مر عن الفتح من رده ما ذكره شيخ الإسلام ، وإن كان من جهة أخرى وكذا يؤيده ما قدمناه في لا أركب دابة فلان ، وفي لا آكل لحما حيث اعتبر لفظ أركب وآكل فصرف إلى المعهود وقيد به لفظ دابة ولفظ لحما بلا فرق بين معرفه ومنكره والله سبحانه أعلم ( قوله لم يحنث بالخارج ) أي اتفاقا نهر وهذا إذا لم يقل حنطة بالتنكير ( قوله بما يتخذ منه ) في النوازل لو اتخذ منه خبيصا أخاف أن يحنث ، وينبغي أن لا يتردد في حنثه إذا أكل منه ما يسمى في ديارنا بالكسكسي نهر وهو المسمى في الشام بالمغربية مثله الشعيرية ( قوله في الأصح ) احتراز عما قيل إنه يحنث لأنه حقيقة كلامه قلنا نعم ، ولكن حقيقة مهجورة ولما تعين المجاز سقطت الحقيقة كقوله لأجنبية إن نكحتك فعبدي حر ، فزنى بها لا يحنث لانصراف يمينه إلى العقد فلم يتناول الوطء إلا أن ينويه فتح ( قوله كما مر في أكل عين النخلة ) إلا أنه لو نوى أكل عين الدقيق لم يحنث بأكل خبزه لأنه نوى الحقيقة بحر أي بخلاف النخلة بناء على ما مر عن الولوالجية ( قوله فالشامي بالبر إلخ ) هذا حيث لا مجاعة وإلا فالظاهر أن المراد ما يسمى خبزا في ذلك الوقت ( قوله والطبري ) نسبة إلى طبرستان وهي اسم آمل وأعمالها ، سميت بذلك لأن أهلها كانوا يحاربون بالفأس ومعناها بالفارسية : أخذ الفأس بيده اليمنى والمراد بالفأس الطبر وهو معرب تبر كما في الفتح .

مطلب ولا يأكل خبزا

( قوله فلو دخل إلخ ) عبارة الفتح قال العبد الضعيف : وقد سئلت لو أن بدويا اعتاد أكل خبز الشعير فدخل بلده المعتاد فيها أكل خبز الحنطة واستمر هو لا يأكل إلا الشعير ، فحلف لا يأكل خبزا فقلت ينعقد على عرف نفسه فيحنث بالشعير لأنه لم ينعقد على عرف الناس إلا إذا كان الحالف يتعاطاه فهو متهم فيه فيصرف كلامه إليه لذلك وهذا منتف فيمن لم يوافقهم بل هو مجانب لهم ا هـ فقول الشارح لأن العرف الخاص معتبر ليس لفظه موجودا في الفتح بل معناه فهم منه فافهم .

وقال المصنف في منحه قلت : وبهذا ظهر أن قول بعض المحققين أن المذهب عدم اعتبار العرف الخاص ، ولكن أفتى كثير باعتباره محله فيما عدا الأيمان أما هي فالعرف الخاص معتبر فيها يعرف ذلك من تتبع كلامهم ومما يدل عليه ما في فتح القدير إلخ .




الخدمات العلمية