الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم إن الإنسان خلق بحيث لا يعيش وحده ، بل يضطر إلى الاجتماع مع غيره من أبناء جنسه وذلك لسببين ; أحدهما : حاجته إلى النسل لبقاء جنس الإنسان ، ولا يكون ذلك إلا باجتماع الذكر والأنثى ، وعشرتهما .

والثاني : التعاون على تهيئة أسباب المطعم والملبس ، ولتربية الولد ، فإن الاجتماع يفضي إلى الولد لا محالة والواحد ، لا يشتغل بحفظ الولد ، وتهيئة أسباب القوت ، ثم ليس يكفيه الاجتماع مع الأهل ، والولد في المنزل ، بل لا يمكنه أن يعيش كذلك ما لم تجتمع طائفة كثيرة ; ليتكفل كل واحد بصناعة فإن الشخص الواحد كيف يتولى الفلاحة وحده ، وهو يحتاج إلى آلاتها وتحتاج الآلة إلى حداد ، ونجار ويحتاج الطعام إلى طحان وخباز وكذلك كيف ينفرد بتحصيل الملبس ، وهو يفتقر إلى حراسة القطن وآلات الحياكة والخياطة وآلات كثيرة فلذلك امتنع عيش الإنسان وحده ، وحدثت الحاجة إلى الاجتماع ثم لو اجتمعوا في صحراء مكشوفة لتأذوا بالحر والبرد والمطر ، واللصوص فافتقروا إلى أبنية محكمة ، ومنازل ينفرد كل أهل بيت به ، وبما معه من الآلات والأثاث والمنازل تدفع الحر والبرد والمطر وتدفع أذى الجيران من اللصوصية ، وغيرها لكن ، المنازل قد تقصدها جماعة من اللصوص خارج المنازل ، فافتقر أهل المنازل إلى التناصر والتعاون ، والتحصن بسور يحيط بجميع المنازل ، فحدثت البلاد لهذه الضرورة .

التالي السابق


(ثم إن الإنسان خلق) مدني الطبع (بحيث لا يعيش وحده، بل يضطر إلى الاجتماع مع غيره من جنسه) ليحصل لنفسه أدنى ما يحتاج إليه بمعاونة عدة له، وعليه نبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا.

وقوله: مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد; إذا تألم بعضه تداعى سائره.

وقيل: الناس كجسد واحد متى عاون بعضه بعضا استقل، ومتى خذل بعضه اختل (وذلك لسببين; أحدهما: حاجته إلى النسل لبقاء جنس الإنسان، ولا يكون ذلك إلا باجتماع الذكر والأنثى، وعشرتهما) فصار ذلك ضروريا، ومما لا بد منه .

(والثاني: التعاون على تهيئة أسباب الطعام، والملابس، ولتربية الولد، فإن الاجتماع) بين الذكر والأنثى (يفضي إلى) حدوث (الولد لا محالة، و) معلوم أن (الواحد لا يشتغل بحفظ الولد، وتهيئة أسباب القوت، ثم ليس يكفيه الاجتماع مع الأهل، والولد في المنزل، بل لا يمكنه أن يعيش كذلك ما لم يجتمع طائفة كثيرة; ليتكفل كل واحد بصناعته) هي له متظاهرين متعاونين (فإن الشخص الواحد كيف يتولى الفلاحة وحده، وهو يحتاج إلى آلاتها) ، وأعظمها الثوران والفدان، فالثوران يحتاجان إلى رعيتهما، وتعهدهما، والفدان يحتاج إلى خشب، وحديد، وحبال، وتحتاج هذه (الآلة إلى حداد، ونجار) ، وحبال فالنجار يقطع الخشب، ويصلحه، والحداد [ ص: 131 ] يصلح المسامير، والحبال يفتل الحبل الذي به يربط بعضه مع بعض (ويحتاج الطعام إلى) دائس، وذراء، ومنق، ومغربل، ثم إلى (طحان) يطحنه إما برحا فبيديه، أو طحن الطاحون فبالبهائم، والبهائم تحتاج إلى رعية، وتعهد، ثم الدقيق المطحون إذا حضر احتاج بعد نخله إلى عجان، والعجن يحتاج إلى ظرف، وذلك الظرف إما من المعادن فاحتاج إلى حداد، ونحاس، وصفار، وإما من الخزف فاحتاج إلى خزاف (و) إلى (خباز) ، والخباز يحتاج إلى الوقيد، والوقاد .

(وكذلك كيف ينفرد بتحصيل الملبس، وهو يفتقر إلى حراسة القطن) ، والحراثة تحتاج إلى آلاتها (وآلات الحياكة) كالنول، والبكرات، والمناسج، والشيوخ، والسفينة، والمغازل، وغيرها (و) وآلات (الخياطة) كالإبر والمقص، والذراع، والخيط، والأسفيداج، وغيرها مما يحتاج إليه الخياط، وأعمال كثيرة غير ما ذكر (فلذلك امتنع عيش الإنسان وحده، وحدثت الحاجة إلى الاجتماع) ، والتعاون .

(ثم لو اجتمعوا في صحراء مكشوفة) تحت السماء (لتادوا) ، أي: هلكوا، وفي نسخة: لتأذوا (بالحر) في الصيف (والبرد) في الشتاء (والمطر، واللصوص) بالليالي عند اشتغالهم بالنوم (فافتقروا إلى أبنية محكمة، ومنازل) محدودة (ينفرد كل أهل بيت به، وبما معه من الآلات) المحتاج إليها (والأثاث) ، والأمتعة، والمنازل تدفع الحر والبرد، والمطر بالاستكنان فيها (وتدفع) أيضا (أذى الجيران من اللصوصية، وغيرها، ولكن المنازل قد يقصدها جماعة من اللصوص) متظاهرين مع البعض (خارج المنازل، فافتقر أهل المنزل إلى التناصر والتعاون، والتحصن بسور يحيط بجميع المنازل، فحدثت البلاد لهذه الضرورة) ، فالبلدة كل مجتمع قوم يحيط به سور .




الخدمات العلمية