الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وبالجملة : فالأحوال تختلف في مثل هذا المحبوب الوسط من اللباس الذي لا يوجب شهرة بالجودة ولا بالرداءة وقد قال صلى الله عليه وسلم : « كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير سرف ولا مخيلة ؛ إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده .

وقال بكر بن عبد الله المزني البسوا ثياب الملوك وأميتوا قلوبكم بالخشية وإنما خاطب بهذا قوما يطلبون التكبر بثياب أهل الصلاح .

». وقد قال عيسى عليه السلام : « ما لكم تأتوني وعليكم ثياب الرهبان ، وقلوبكم قلوب الذئاب الضواري البسوا ثياب الملوك ، وأميتوا قلوبكم بالخشية .

ومنها أن يتواضع بالاحتمال إذا سب وأوذي وأخذ حقه فذلك هو الأصل .

وقد أوردنا ما نقل عن السلف من احتمال الأذى في كتاب الغضب والحسد .

التالي السابق


(وبالجملة: فالأحوال تختلف في مثل هذا) وينزل كل قول على حال (والمحبوب الوسط من اللباس الذي لا يوجب شهرة) وإشارة إليه بالأصابع (بالجودة ولا بالرداءة) فما أوجب في كل منهما شهرة فهو مكروه (وقد قال صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير سرف ومخيلة؛ إن الله يحب أن يظهر أثر نعمته على عبده) .

قال العراقي: هما حديثان، وقد جعلهما المصنف حديثا واحدا:

أما الأول: فرواه النسائي وابن ماجه من رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده .

والثاني: رواه الترمذي وحسنه، من رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. اهـ .

قلت: لم يجعلهما المصنف [ ص: 383 ] حديثا واحدا من عند نفسه، بل هكذا رواه في سياق واحد أحمد والحاكم والبيهقي، وتمام في فوائده، من رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، ولفظهم: "كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة ولا سرف؛ فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده".

وقد روى القطعة الأولى منه النسائي، وابن ماجه، كما أشار إليه العراقي، وروى الترمذي القطعة الثانية، كما أشار إليه العراقي أيضا، ورواها سمويه في فوائده من حديث أبي سعيد، بزيادة: "ويبغض البؤس والتباؤس".

(وقال بكر بن عبد الله المزني) تقدمت ترجمته في كتاب العلم (البسوا ثياب الملوك وأميتوا قلوبكم بالخشية) .

وأخرج أبو نعيم في ترجمته من طريق مبارك بن فضالة قال: قال أبو بكر بن عبد الله، قال: "أعيش عيش الأغنياء وأموت موت الفقراء، قال: فمات وإن عليه لشيئا من دين" .

وأخرج أيضا من طريق معتمر، عن حميد قال: "كانت قيمة ثياب بكر بن عبد الله أربعة آلاف، فكان يجالس الفقراء والمساكين، ويقول: إنهم يعجبهم ذلك" .

ومن طريق عمرو بن أبي وهب قال: قال بكر بن عبد الله: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين يلبسون لا يطعنون على الذين لا يلبسون، والذين لا يلبسون لا يطعنون على الذين يلبسون" .

(وإنما خاطب) بكر بن عبد الله (بهذا قوما يطلبون التكبر بثبات أهل الصلاح" .

وقد قال عيسى -عليه السلام-: "ما لكم تأتوني وعليكم ثياب الرهبان، وقلوبكم قلوب الذئاب الضواري) أي: مولعة بالنهش (البسوا ثياب الملوك، وأميتوا قلوبكم بالخشية) من الله -عز وجل- أي: فالعمدة على إصلاح الباطن .

(ومنها) أي: من أخلاق المتواضعين (أن يتواضع بالاحتمال إذا سب وأوذي وأخذ حقه) غصبا (فذلك هو الأصل، وقد أوردنا ما نقل عن السلف من احتمال الأذى في كتاب الغضب والحسد) .




الخدمات العلمية