الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ودخل أبو تمام على إبراهيم بن شكلة بأبيات امتدحه بها ، فوجده عليلا ، فقبل منه المدحة ، وأمر حاجبه بنيله ما يصلحه ، وقال :

عسى أن أقوم من مرضي فأكافئه ، فأقام شهرين فأوحشه ، طول المقام ، فكتب إليه يقول .


إن حراما قبول مدحتنا وترك ما نرتجي من الصفد     كما الدراهم والدنانير في البيع
حرام إلا يدا بيد .

فلما وصل البيتان إلى إبراهيم ، قال لحاجبه : كم أقام بالباب ? قال : شهرين ، قال : أعطه ثلاثين ألفا ، وجئني بدواة ، فكتب إليه .


أعجلتنا فأتاك عاجل برنا     قلا ولو أمهلتنا لم نقلل
فخذ القليل وكن كأنك لم تقل     ونقول نحن كأننا لم نفعل

وروي أنه كان لعثمان على طلحة رضي الله عنهما خمسون ألف درهم فخرج عثمان يوما إلى المسجد ، فقال له طلحة : قد تهيأ مالك فاقبضه ، فقال : هو لك يا أبا محمد ، معونة لك على مروءتك وقالت سعدى بنت عوف دخلت على طلحة فرأيت منه ثقلا ، فقلت له مالك فقال : اجتمع عندي مال وقد ، غمني ، فقلت : وما يغمك ادع قومك ، فقال : يا غلام علي بقومي ، فقسمه فيهم فسألت الخادم كم كان ? قال : أربعمائة ألف .

وجاء أعرابي إلى طلحة فسأله ، وتقرب إليه برحم ، فقال : إن هذه الرحم ما سألني بها أحد قبلك ، إن لي أرضا قد أعطاني بها عثمان ثلثمائة ألف ، فإن شئت فاقبضها ، وإن شئت بعتها من عثمان ، ودفعت إليك الثمن ، فقال : الثمن ، فباعها من عثمان ، ودفع إليه الثمن .

وقيل : بكى علي كرم الله وجهه يوما ، فقيل : ما يبكيك ? فقال : لم يأتني ضيف منذ سبعة أيام ; أخاف أن يكون الله قد أهانني .

وأتى رجل صديقا له فدق عليه الباب ، فقال : ما جاء بك ? قال : علي أربعمائة درهم دين : فوزن أربعمائة درهم وأخرجها إليه ، وعاد يبكي ، فقالت امرأته : لم أعطيته إذ شق عليك فقال : إنما أبكي ; لأني لم أتفقد حاله حتى احتاج إلى مفاتحتي فرحم الله من هذه صفاتهم وغفر لهم أجمعين .

التالي السابق


(ودخل أبو تمام) حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس الشاعر الطائي، كان في حداثته يسقي الماء بجامع مصر، ثم خالط الأدباء، وقال فأجاد، وسار شعره في البلاد، ومدح الخلفاء، وعاشر العلماء، وهو موصوف بالظرف، وكرم النفس، وولاه الحسن بن وهب بن يزيد الموصل نحو سنتين، ومات بها سنة 281، وكانت ولادته سنة تسعين ومائة (على إبراهيم بن شكلة) ، وهو إبراهيم بن المهدي بن المنصور العباسي، نسب إلى أمه شكلة، وهي أم ولد من مولدات المدينة، ولد سنة 163، وله مع المأمون أخبار وواقعات، وكان سريا ممدحا سخيا (بأبيات امتدحه بها، فوجده عليلا، فقبل منه المدحة، وأمر حاجبه ينيله ما يصلحه، وقال: عسى أن أقوم من مرضي فأكافئه، فأقام شهرين، فأوحشه طول المقام، فكتب إليه) :


(إن حراما قبول مدحتنا وترك ما نرتجي من الصفد)


(كما الدنانير والدراهم في الب يع حرام إلا يدا بيد)

والصفد محركة العطاء، وأشار بقوله: إلا يدا بيد إلى الخبر: الذهب بالذهب ربا إلا ها وها، والورق بالورق ربا إلا ها وها، وقد تقدم في كتاب الربا من آداب الكسب (فلما وصل إلى إبراهيم البيتان، قال لحاجبه: كم أقام بالباب؟ قال: شهرين، قال: أعطه ثلاثين ألفا، وجئني بدواة، فكتب إليه هذه الأبيات) :


(أعجلتنا فأتاك عاجل برنا قلا ولو أمهلتنا لم نقلل)


(فخذ القليل وكن كأنك لم تسل ونكون نحن كأننا لم نفعل)

(ويروى أنه كان لعثمان) بن عفان (على طلحة) بن عبيد الله (- رضي الله عنهما - خمسون ألف درهم) دينا (فخرج عثمان يوما إلى المسجد، فقال له طلحة: قد تهيأ مالك فاقبضه، فقال: هو لك يا أبا محمد، معونة لك على مروآتك) ، وكان طلحة - رضي الله عنه - يلقب بالفياض لكثرة سخائه، فقد روى أحمد في الزهد من طريق عوف عن الحسن [ ص: 191 ] قال: باع طلحة أرضا له بسبعمائة ألف، فبات ذلك المال عنده ليلة فبات أرقا من مخافة ذلك المال حتى أصبح، ففرقه .

وفي مسند الحميدي من طريق الشعبي، عن جابر بن قبيصة، قال: صحبت طلحة، فما رأيت رجلا أعطى لجزيل مال من غير مسألة منه، (وقالت سعدى) بضم السين المهملة، والألف مقصورة (بنت عوف) بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة المرية زوج طلحة بن عبيد الله نسبها هكذا، رواه ابن منده ، وقال أبو عمر في الاستيعاب: سعدى بنت عمر، وقال الحافظ: والأول أولى .

روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن زوجها، وعن عمر.

روى عنها يحيى، وابن ابنها طلحة بن يحيى، ومحمد بن عمران الطلحي، وقد خالف ابن حبان، فذكرها في ثقات التابعين، قال الحافظ: ومن يسمع من عمر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأيام، وهي زوج طلحة، فهي صحابية لا محالة: (دخلت على طلحة فرأيت منه ثقلا، فقلت: ما لك؟ فقال: اجتمع عندي مال، فقد غمني، فقلت: وما يغمك ادع قومك، فقال: يا غلام علي بقومي، فقسمه فيهم) .

أخرجه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا الحسن بن محمد بن أحمد بن كيسان النحوي، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا علي بن عبد الله المدني، ح وحدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا قتيبة بن سعيد، قالا: حدثنا سفيان بن عيينة ، عن طلحة بن يحيى بن طلحة، حدثتني جدتي سعدى بنت عوف المرية، وكانت محل إزار طلحة قالت: دخل طلحة علي ذات يوم وهو خائر النفس، وقال قتيبة: دخل علي طلحة، ورأيته مغموما، فقلت: ما لي أراك كالح الوجه، وقلت: ما شأنك؟ أرابك مني شيء فأعتبك؟ قال: لا، ولنعم حليلة المرء المسلم أنت، قلت: فما شأنك؟ قال: المال الذي عندي قد كثر وكربني، قلت: وما عليك، اقسمه .

قالت: فقسمه حتى ما بقي منه درهم (فسألت الخادم كم كان؟) ، ولفظ الحلية: قال طلحة بن يحيى: فسألت خازن طلحة كم كان المال؟ (قال: أربعمائة ألف) .

وقال أبو نعيم أيضا: حدثنا أبو حامد بن جبلة ، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا سفيان، عن طلحة بن يحيى، عن سعدى بنت عوف قالت: كانت غلة طلحة كل يوم ألفا وافيا، وكان يسمى طلحة الفياض، وقد رواه سفيان أيضا عن عمرو يعني بن دينار مثله، ومن طريق الأصمعي، حدثنا نافع بن أبي نعيم، عن محمد بن عمران، عن سعدى بنت عوف: لقد تصدق طلحة يوما بمائة ألف، ثم حبسه عن المسجد أن جمعت له بين طرفي ثوبه.

(وجاء أعرابي إلى طلحة) - رضي الله عنه - (فسأله، وتقرب إليه برحم، فقال: إن هذا الرحم ما سألني بها قبلك أحد، إن لي أرضا قد أعطاني بها عثمان) بن عفان (ثلاثمائة ألف، فإن شئتها فاقبضها، وإن شئت بعتها من عثمان، ودفعت إليك الثمن، فقال: الثمن، فباعها من عثمان، ودفع إليه الثمن، وقيل: بكى علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - يوما، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: لم يأتني ضيف منذ سبعة أيام; أخاف أن يكون الله قد أهانني) نقله القشيري في الرسالة .

(وأتى رجل صديقا له فدق عليه الباب، فقال: ما جاء بك؟ قال: علي أربعمائة درهم دينا) ، وفي نسخة: دين (قال: فوزن أربعمائة درهم وأخرجها إليه، وعاد يبكي، فقالت امرأته: لم أعطيته إذ شق عليك) إذ ظنت أنه إنما بكى لأجل ذلك (فقال: إنما أبكي; لأني لم أتفقد حاله حتى احتاج إلى مفاتحتي) نقله القشيري في الرسالة .




الخدمات العلمية