الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بيان فضيلة السخاء .

اعلم أن المال إن كان مفقودا ، فينبغي أن يكون حال العبد القناعة ، وقلة الحرص ، وإن كان موجودا ، فينبغي أن يكون حاله الإيثار والسخاء واصطناع المعروف ، والتباعد عن الشح ، والبخل فإن السخاء من أخلاق الأنبياء عليهم السلام وهو أصل من أصول النجاة ، وعنه عبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : السخاء شجرة من شجر الجنة أغصانها متدلية إلى الأرض فمن أخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى الجنة .

وقال جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال جبريل عليه السلام : قال الله تعالى : إن هذا دين ارتضيته لنفسي ، ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق ، فأكرموه بهما ما استطعتم وفي رواية فأكرموه بهما ما صحبتموه وعن عائشة الصديقية رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما جبل الله تعالى وليا له إلا على حسن ، الخلق والسخاء وعن جابر قال : قيل : يا رسول الله ، أي الأعمال أفضل ? قال : الصبر والسماحة .

وقال عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خلقان يحبهما الله عز وجل ، وخلقان يبغضهما الله عز وجل ، فأما اللذان يحبهما الله تعالى ; فحسن الخلق ، والسخاء ، وأما اللذان يبغضهما الله ; فسوء الخلق ، والبخل ، وإذا أراد الله بعبد خيرا استعمله في قضاء حوائج الناس .

وروى المقدام بن شريح عن أبيه عن جده قال : قلت : يا رسول الله ، دلني على عمل يدخلني الجنة ، قال : إن موجبات المغفرة بذل الطعام وإفشاء السلام ، وحسن الكلام .

وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : السخاء شجرة في الجنة ، فمن كان سخيا أخذ بغصن منها ، فلم يتركه ذلك الغصن حتى يدخله الجنة .

والشح شجرة في النار، فمن كان شحيحا أخذ بغصن من أغصانها، فلم يتركه ذلك الغصن حتى يدخله النار
.

التالي السابق


(بيان فضيلة السخاء)

(اعلم) هداك الله تعالى (أن المال إذا كان مفقودا، فينبغي أن يكون حال العبد القناعة، وقلة الحرص، وإن كان [ ص: 171 ] موجودا، فينبغي أن يكون حاله الإيثار) للغير (والسخاء) ، أي: بذله (واصطناع المعروف، والتباعد من الشح، والبخل) ، وبينهما فرق، وقد تقدم ذكره (فإن السخاء) خلق شريف (من) جملة (أخلاق الأنبياء) - عليهم السلام - (وهو أصل من أصول النجدة، وعنه عبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: السخاء شجرة من شجر الجنة) ، وفي رواية: من أشجار الجنة، وفي رواية: شجرة في الجنة (أغصانها متدلية إلى الأرض) ، وفي رواية: متدليات في الدنيا (فمن أخذ منها غصنا) ، وفي رواية: فمن أخذ غصنا منها (قاده ذلك الغصن إلى الجنة) ، أي: إن السخاء يدل على كرم النفس، وتصديق إيمان بالاعتماد في الخلق على من ضمن الرزق، فمن أخذ بهذا الأصل، وعقد طويته عليه، فقد استمسك بالعروة الوثقى الجاذبة له إلى ديار الأبرار; ولهذا الحديث بقية يأتي ذكرها قريبا .

قال العراقي: رواه ابن حبان في الضعفاء من حديث عائشة، وابن عدي ، والدارقطني في المستجاد من حديث أبي هريرة، وسيأتي بعده، وأبو نعيم من حديث جابر، وكلها ضعيفة، ورواه ابن الجوزي في الموضوعات من حديثهم، ومن حديث الحسين، وأبي سعيد. ا ه .

وسيأتي الكلام على هذا الحديث بعد ستة أحاديث .

(وقال جابر) - رضي الله عنه - (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال جبريل - عليه السلام -: قال الله تعالى: إن هذا دين أرتضيه لنفسي، ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق، فأكرموه بهما ما صحبتموه) .

قال العراقي: رواه الدارقطني في المستجاد دون قوله: وحسن الخلق بسند ضعيف، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات، وذكره بهذه الزيادة ابن عدي من رواية بقية، عن يوسف بن السقر، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، ويوسف ضعيف. ا ه .

قلت: وروي عن أنس نحوه، ولفظه مرفوع: يا أيها الناس، إن الله قد اختار لكم الإسلام دينا، فأحسنوا صحبة الإسلام بالسخاء، وحسن الخلق... الحديث، ورواه ابن عساكر، وسيأتي ذكره بعد خمسة أحاديث .

(وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جبل الله تعالى أولياءه إلا على السخاء، وحسن الخلق) .

أغفله العراقي.

وقد رواه ابن عساكر في التاريخ من رواية عروة مرسلا .

ورواه أيضا الديلمي عنه، عن عائشة بدون قوله: وحسن الخلق.

وعند الحكيم الترمذي: ما جبل الله وليا قط إلا على السخاء، ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل.

وسند الديلمي ضعيف، وهو عند الدارقطني في المستجاد، وأبي الشيخ، وابن عدي بدون: وحسن الخلق.

(وعن جابر) - رضي الله عنه - (قال: قيل: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: الصبر والسماحة) .

قال العراقي: رواه أبو يعلى، وابن حبان في الضعفاء بلفظ: سئل عن الإيمان، وفيه يوسف بن محمد بن المنكدر، ضعفه الجمهور .

ورواه أحمد من حديث عمرو بن عنبسة بلفظ: ما الإيمان؟ فقال: الصبر، والسماحة، وفيه شهر بن حوشب، ورواه البيهقي في الزهد بلفظ: أي الأعمال أفضل؟ قال: الصبر، والسماحة، وحسن الخلق، وإسناده صحيح. ا ه .

قلت: وروى البخاري في التاريخ من حديث عبيد بن عمير ، عن أبيه بلفظ: أفضل الإيمان الصبر، والسماحة.

هكذا رواه عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن أبيه، عن جده، وفيه مقال .

ورواه الزهري، عن عبد الله، عن أبيه مرسلا، وهو أقوى .

ورواه كذلك الديلمي من حديث معقل بن يسار.

وروى الطبراني في الكبير من حديث عمرو بن عنبسة: أفضل الإيمان حسن خلق.

ومن حديث أسامة بن شريك بلفظ: أفضل الأعمال حسن الخلق.

(وقال عبد الله بن عمرو) بن العاص - رضي الله عنه - (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلقان يحبهما الله تعالى، وخلقان يبغضهما الله تعالى، فأما اللذان يحبهما الله; فحسن الخلق، والسخاء، وأما اللذان يبغضهما الله; فسوء الخلق، والبخل، وإذا أراد الله بعبد خيرا استعمله على قضاء حوائج الناس) ، أي: ثم ألهمه القيام بحقها، والوفاء بما استعمل عليه .

قال العراقي: رواه الديلمي دون قوله في آخره: فإذا أراد الله بعبد خيرا.

وقال فيه: الشجاعة بدل: الخلق .

فيه محمد بن يوسف الكديمي، كذبه أبو داود، وموسى بن هارون، وغيرهما، ووثقه الخطبي، وروى الأصبهاني جميع الحديث موقوفا على عبد الله بن عمرو، وروى الديلمي أيضا من حديث أنس: إذا أراد الله بعبد خيرا صير حوائج الناس إليه، وفيه يحيى بن شبيب، ضعفه ابن حبان. ا ه .

قلت: هذا الحديث أخرجه أبو نعيم في الحلية، ومن طريقه الديلمي بدون الجملة الأخيرة، وروى البيهقي في الشعب جميع الحديث مرفوعا [ ص: 172 ] من حديث ابن عمرو (وروى المقدام بن شريح بن هانئ) بن يزيد الحارثي المذحجي الكوفي، مخضرم ثقة، قتل مع ابن أبي بكرة بسجستان، روى له من ذكر في ابنه (عن جده) أبي شريح هانئ بن يزيد، صحابي نزل الكوفة، روى له البخاري في الأدب، وأبو دواد، والنسائي (قال: قلت: يا رسول الله، دلني على عمل يدخلني الجنة، قال: إن من موجبات المغفرة) ، أي: مما يوجب غفران الذنوب الذي هو سبب لدخول الجنة (بذل الطعام) ، أي: إطعامه (وإفشاء السلام، وحسن الكلام) .

قال العراقي: رواه الطبراني بلفظ: بذل السلام، وحسن الكلام، وفي رواية له: يوجب الجنة: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وفي رواية له: عليك بحسن الكلام، وبذل الطعام. ا ه .

قلت: وبلفظ الطبراني رواه أيضا الخرائطي في مكارم الأخلاق، وروى البيهقي من حديث جابر: إن من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان.

ورواه الحاكم بدون: إن .

وروى البخاري في الأدب المفرد، والطبراني في الكبير، والحاكم، والبيهقي من حديث هانئ بن يزيد بلفظ: عليك بحسن الكلام، وبذل الطعام.

ورواه ابن حبان بلفظ: عليك بحسن الكلام، وبذل السلام.

(وقال أبو هريرة) - رضي الله عنه -: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السخاء شجرة في الجنة، فمن كان سخيا أخذ بغصن منها، فلم يتركه ذلك الغصن حتى يدخله الجنة، والشح شجرة في النار، فمن كان شحيحا أخذ بغصن من أغصانها، فلم يتركه ذلك الغصن حتى يدخله النار) قال العراقي: رواه الدارقطني في المستجاد، وفيه عبد العزيز بن عمران الزهري، ضعيف جدا. ا ه .

قلت: وكذلك رواه الخطيب في التاريخ، ورواه ابن عدي ، والبيهقي، وضعفه باللفظ الذي ذكره المصنف في أول الباب، وتمامه: والبخل شجرة من شجر النار، أغصانها متدليات في الدنيا، فمن أخذ بغصن من أغصانها قاده ذلك الغصن إلى النار.

وروياه عن محمد بن منير المطيري، عن عثمان بن شيبة، عن أبي غسان محمد بن يحيى، عن عبد العزيز بن عمران، عن ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين ، عن الأعرج، عن أبي هريرة، وقد روي بهذا السياق - أي: الأخير - من حديث الحسين بن علي، وجابر، وأبي سعيد، وعلي، وعائشة، ومعاوية بن أبي سفيان، وأنس.

أما حديث الحسين بن علي فرواه الدارقطني في الأفراد، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات ، والبيهقي، والخطيب في كتاب البخلاء من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده .

وأما حديث جابر فرواه أبو نعيم في الحلية، عن الحسن بن أبي طالب، عن عبد الله بن محمد الخلال، عن أحمد بن الخطاب بن مهدان الشثري، عن عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي، عن عاصم بن عبد الله، عن عبد العزيز بن خالد الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر.

ورواه أيضا الخطيب في التاريخ من هذا الطريق، وقال أبو نعيم: تفرد به عبد العزيز بن خالد، وعنه عاصم بن عبد الله.

وأما حديث أبي سعيد، فقد رواه الخطيب في تاريخه في ترجمة أبي جعفر الطيالسي عنه، وأما حديث علي، فقد رواه الدارقطني في الأفراد، والبيهقي في الشعب، والخطيب في التاريخ عنه، وأما حديث عائشة، فقد رواه ابن حبان في الضعفاء، وأما حديث معاوية، فقد رواه الديلمي في مسند الفردوس، وأما حديث أنس، فقد رواه ابن عساكر في التاريخ، لكن مع اختلاف لفظ: قال أنس: أول خطبة خطبها رسول الله - صلى عليه وسلم - صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: يا أيها الناس: إن الله قد اختار لكم الإسلام دينا، فأحسنوا صحبة الإسلام بالسخاء، وحسن الخلق، ألا إن السخاء شجرة في الجنة، وأغصانها في الدنيا، فمن كان منكم سخيا لا يزال متعلقا بغصن من أغصانها حتى يورده الله الجنة، ألا إن اللؤم شجرة في النار، وأغصانها في الدنيا، فمن كان منكم لئيما لا يزال متعلقا بغصن من أغصانها حتى يورده الله النار.

وطرق هذه الأحاديث كلها ضعاف، وتقدم أن ابن الجوزي أورده في الموضوعات من هذه الطرق كلها، وتعقب .




الخدمات العلمية