الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما القصاص وحد القذف فلا بد من تحليل صاحبه المستحق فيه وإن كان المتناول مالا تناوله بغصب أو خيانة أو غبن في معاملة بنوع تلبيس كترويج زائف أو ستر عيب من المبيع أو نقص أجرة أجير أو منع أجرته فكل ذلك يجب أن يفتش عنه لا من حد بلوغه ، بل من أول مدة وجوده فإن ما يجب في مال الصبي يجب على الصبي إخراجه بعد البلوغ إن كان الولي قد قصر فيه فإن لم يفعل كان ظالما مطالبا به إذ يستوي في الحقوق المالية الصبي والبالغ وليحاسب نفسه على الحبات والدوانق من أول يوم حياته إلى يوم توبته قبل أن يحاسب في القيامة وليناقش قبل أن يناقش ، فمن لم يحاسب نفسه في الدنيا طال في الآخرة حسابه فإن ، حصل مجموع ما عليه بظن غالب ، ونوع من الاجتهاد ممكن فليكتبه وليكتب أسامي أصحاب المظالم واحدا واحدا ، وليطف في نواحي العالم وليطلبهم وليستحلهم أو ليؤد حقوقهم وهذه التوبة تشق على الظلمة وعلى التجار ; فإنهم لا يقدرون على طلب المعاملين كلهم ولا على طلب ورثتهم ولكن على كل واحد منهم أن يفعل منه ما يقدر عليه فإن عجز فلا يبقى له طريق إلا أن يكثر من الحسنات حتى تفيض عنه يوم القيامة فتؤخذ حسناته وتوضع في موازين أرباب المظالم ولكن كثرة حسناته بقدر كثرة مظالمه ، فإنه إن لم تف بها حسناته حمل من سيئاته أرباب المظالم ، فيهلك بسيئات غيره فهذا طريق كل تائب في رد المظالم وهذا يوجب استغراق العمر في الحسنات ، لو طال العمر بحسب طول مدة الظلم فكيف وذلك مما لا يعرف ، وربما يكون الأجل قريبا فينبغي أن يكون تشميره للحسنات والوقت ضيق أشد من تشميره الذي كان في المعاصي في متسع الأوقات ، هذا حكم المظالم الثابتة في ذمته .

أما أمواله الحاضرة فليرد إلى المالك ما يعرف له مالكا معينا ، وما لا يعرف له مالكا فعليه أن يتصدق به فإن اختلط الحلال بالحرام ، فعليه أن يعرف قدر الحرام بالاجتهاد ، ويتصدق بذلك المقدار ، كما سبق تفصيله في كتاب الحلال والحرام .

التالي السابق


(وأما القصاص وحد القذف [ ص: 582 ] فلا بد من تحليل صاحبه المستحق فيه) فإن شاء اقتص، وإن شاء عفا، وكذا في حد القذف، (وإن كان المتناول مالا قد تناوله بغصب) بأن استولى عليه عدوانا (أو خيانة) بأن كان أمانة عنده ففرط فيه، (أو غبن في معاملة بنوع تلبيس) أي: تخليط (كترويج زائف) أي: المبهرج الرديء، وترويجه تزينه وتمشيته، (أو ستر عيب من المبيع) سواء كان العيب خفيا أو ظاهرا، (أو نقص أجرة أجير) استأجره بأن يعطيه أقل مما يعطي أمثاله، (أو منع أجرته) مطلقا (فكل ذلك يجب أن يفتش عنه) ، ويبحث (لا من حد بلوغه، بل من أول مدة وجوده فإن ما يجب في مال الصبي يجب على الصبي إخراجه بعد البلوغ إن كان الولي قد قصر فيه) فإن ادعى الولي أنه أخرج ما يجب عليه من ماله، وظهرت القرائن بصدقه صدق (فإن لم يفعل كان ظالما مطالبا به) يوم القيامة (إذ يستوي في الحقوق المالية الصبي والبالغ وليحاسب نفسه على الحبة والدانق) أي: القليل منه والأقل (من أول حياته إلى يوم توبته قبل أن يحاسب في القيامة) بين يدي الله تعالى (وليناقش قبل أن يناقش، فمن لم يحاسب نفسه في الدنيا طال في الآخرة حسابه، فإذا حصل مجموع ما عليه بظن غالب، ونوع من الاجتهاد ممكن فليكتبه) في جريدة، (وليكتب أسامي أصحاب المظالم) فيها (واحدا واحدا، وليطف في نواحي العالم) وأطرافها، (وليطلبهم) بأعيانهم، (وليستحلهم) أي: يطلب منهم أن يحللوا له (أو ليؤد حقوقهم) المرتبة بذمته، فإن لم يجدهم بأعيانهم فورثتهم الأقرب فالأقرب، (وهذه التوبة تشق على الظلمة وعلى التجار; فإنهم لا يقدرون على طلب المعاملين كلهم) ، ولا المظلومين كلهم، (ولا على طلب ورثتهم) في أقطار البلاد (ولكن على كل واحد منهم أن يفعل منه ما يقدر عليه) ويستطيعه (فإن عجز) عن ذلك (فلا يبقى له طريق إلا أن يكثر من الحسنات) في صحائف أعماله (حتى تفيض عنه يوم القيامة فتؤخذ حسناته) تلك، (وتوضع في موازين أرباب المظالم) كما ورد في الخبر وتقدم ذكره، (وليكن كثرة حسناته بقدر كثرة مظالمه، فإنه إن لم تف بها حسناته حمل من سيئة أرباب المظالم، فيهلك بسيئات غيره) كما هو في الخبر السابق ذكره (فهذه طريق كل تائب) عن المظالم (في رد المظالم) ، ولا يخفى أن (هذا يوجب استغراق العمر في الحسنات، لو طال العمر بحسب طول مدة الظلم فكيف وذلك مما لا يعرف، وربما يكون الأجل قريبا فينبغي أن يكون تشمره للحسنات والوقت ضيق أشد من تشمره الذي كان في المعاصي في متسع الأوقات، هذا حكم المظالم الثابتة في ذمته) وفي عهدته (أما أمواله الحاضرة فليرد إلى المالك ما يعرف له مالكا معينا، وما لا يعرف له مالكا) معينا (فعليه أن يتصدق به) على من يستحق من الفقراء; (فإن اختلط الحلال بالحرام، فعليه أن يعرف قدر الحرام بالاجتهاد، ويتصدق بذلك القدر، كما سبق تفصيله في كتاب الحلال والحرام، فلا نعيده ثانيا) .




الخدمات العلمية