الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما الحلف على الغداء والعشاء فلا بد من معرفة معنى الغداء والعشاء ومعرفة وقتهما أما الأول فالغداء والعشاء كل واحد منهما عبارة عن أكل ما يقصد به الشبع عادة فيعتبر في ذلك العادة في كل بلد فما كان غداء عندهم حملت اليمين عليه ولهذا قالوا في أهل الحضر إذا حلفوا على ترك الغداء فشربوا اللبن لم يحنثوا لأنهم لا يتناولون ذلك للشبع عادة ولو حلف البدوي فشرب اللبن حنث لأن ذلك غداء في البادية وإذا حلف لا يتغدى فأكل غير الخبز من أرز أو تمر أو غيره حتى شبع لم يحنث ولم يكن ذلك غداء وكذلك إذا أكل لحما بغير خبز لم يحنث في قول أبي يوسف ومحمد .

                                                                                                                                كذا ذكر الكرخي قال .

                                                                                                                                وقالا ليس الغداء في مثل الكوفة والبصرة إلا على الخبز والمرجع في هذا إلى العادة فما كان غداء متعادا عند الحالف حنث وما لا فلا وروى هشام عن أبي حنيفة في أكل الهريسة والأرز أنه يحنث وروي عن أبي يوسف في الهريسة والفالوذج والخبيص أنه لا يحنث إلا أن يكون ذلك غداءه والأصل أن غداء كل بلد ما تعارفونه غداء فيعتبر عادة الحالف فيما يحلف عليه فإن كان الحالف كوفيا يقع على خبز الحنطة والشعير ولا يقع على اللبن والسويق وإن كان بدويا يقع على اللبن والسويق وإن كان حجازيا يقع على السويق وفي بلادنا يقع على خبز الحنطة وأما الثاني فنقول وقت الغداء من طلوع الفجر إلى وقت الزوال لأن الغداء عبارة عن أكل الغدوة وما بعد نصف النهار لا يكون غدوة والعشاء من وقت الزوال إلى نصف الليل لأنه مأخوذ من أكل العشية وأول أوقات العشاء ما بعد الزوال وقد روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاتي العشاء ركعتين } يريد الظهر والعصر وفي عرف ديارنا العشاء ما بعد وقت صلاة العصر وأما السحور فما بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر لأنه مأخوذ من السحر وهو وقت السحر ولم يذكر في ظاهر الرواية مقدار الغداء والعشاء .

                                                                                                                                وقد روى ابن سماعة عن أبي يوسف فيمن قال لأمته إن لم تتعش الليلة فعبدي حر فأكلت لقمة واحدة لم تزد عليها فليس هذا بعشاء ولا يحنث حتى تأكل أكثر من نصف شبعها لأن من أكل لقمة يقول في العادة ما تغديت ولا تعشيت فإذا أكل أكثر أكله يسمى ذلك غداء في العادة وروى المعلى عن محمد فيمن حلف ليأتينه غدوة أنه إذا أتاه بعد طلوع الفجر إلى نصف النهار فقد بر وهو غدوة لما ذكرنا أن هذا وقت الغداء ولو قال ليأتينه ضحوة فهو من بعد طلوع الشمس من الساعة التي تحل فيها الصلاة إلى نصف النهار لأن هذا وقت صلاة الضحى قال محمد : إذا حلف لا يصبح ، فالتصبيح عندي ما بين طلوع الشمس وبين ارتفاع الضحى الأكبر ، فإذا ارتفع الضحى الأكبر ذهب وقت التصبيح لأن التصبيح تفعيل من الصبح والتفعيل للتكثير فيقتضي زيادة على ما يفيده الإصباح وروى المعلى عن محمد فيمن حلف لا يكلمه إلى السحر قال إذا دخل ثلث الليل الأخير فليكلمه لأن وقت السحر ما قرب من الفجر قال هشام عن محمد والمساء مساءان أحدهما إذا زالت الشمس ألا ترى أنك تقول إذا زالت الشمس كيف أمسيت ؟ والمساء الأخير إذا غربت الشمس فإذا حلف بعد الزوال لا يفعل كذا حتى يمسي كان ذلك على غيبوبة الشمس لأنه لا يمكن حمل اليمين على المساء الأول فيحمل على الثاني والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية