الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو أخر الشرط بأن قال : أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار ، أو قال : أنت طالق فطالق فطالق إن دخلت الدار تعلق الكل بالشرط فإن وجد الشرط يقع الثلاث بالإجماع ; لأن أهل اللغة وضعوا هذا الكلام على تأخير الشرط لإيقاع الثلاث جملة في زمان ما بعد الشرط لحاجتهم إلى تدارك الغلط على ما بينا فيما تقدم .

                                                                                                                                ولو قال : أنت طالق إن دخلت الدار أنت طالق إن دخلت الدار أنت طالق إن دخلت الدار ، أو قدم الشرط بأن قال : إن دخلت فأنت طالق ، قال ذلك ثلاثا ، يتعلق الكل بالدخول فما لم تدخل لا يقع شيء ، وإذا دخلت الدار دخلة واحدة يقع الثلاث بالإجماع لما قلنا أن هذه أيمان ثلاثة لها شرط واحد ; كل يمين إيقاع الطلاق الثلاث في زمان واحد وهو ما بعد الشرط فكان إيقاع الثلاث جملة - في زمان ما بعد الشرط - لا متفرقا فإذا وجد الشرط يقع جملة .

                                                                                                                                ولو قال : أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن دخلت الدار ، فالأول يقع للحال ويلغو الثاني والثالث في قول أبي حنيفة وإن كانت مدخولا بها يقع الأول والثاني للحال ويتعلق الثالث بالشرط .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف ومحمد : يتعلق الكل بالشرط ولا يقع إلا واحدة وإن كانت مدخولا بها يقع الثلاث سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها ، وجعل ثم عندهما في هذه الصورة كالواو والفاء .

                                                                                                                                وجه قولهما على ظاهر الرواية عنهما : أن ثم حرف عطف كالواو والفاء ولها معنى خاص ، وهو التراخي فيجب اعتبار المعنيين جميعا فاعتبرنا معنى العطف في تعليق الكل بالشرط كما في حرف الواو والفاء ، واعتبرنا معنى التراخي في الوقوع وهذا يمنع وقوع الثانية والثالثة قبل الدخول بها .

                                                                                                                                وجه قول أبي حنيفة أن كلمة ثم موضوعة [ ص: 141 ] للتراخي وقد دخلت على الإيقاع فيقتضي تراخي الثاني عن الأول في الإيقاع كأنه قال : أنت طالق وسكت ثم قال : فطالق وطالق إن دخلت الدار فيقع الأول للحال ويلغو الثاني والثالث ; لأنهما حصلا بعد ثبوت البينونة بالأول فلا يقعان في الحال ولا يتعلقان بالشرط أيضا لانعدام الملك وقت التعليق ، فلم يصح التعليق فالحاصل أنهما يعتبران معنى التراخي في الوقوع لا في الإيقاع ، وأبو حنيفة يعتبر معنى التراخي في الإيقاع ; لأن الحكم الإيقاع ، واعتبار أبي حنيفة أولى ; لأن كلمة التراخي دخلت على الإيقاع والتراخي في الإيقاع يوجب التراخي في الوقوع ; لأن الحكم يثبت على وفق العلة ، .

                                                                                                                                فأما القول بتراخي الوقوع من غير تراخي الإيقاع فقول بإثبات حكم العلة على وجه لا تقتضيه العلة وهذا لا يجوز .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية