الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وعن أبي يوسف إذا قال : والله لا أدخل هذا المسجد فهدم فصار صحراء ثم دخله فإنه يحنث قال هو مسجد وإن لم يكن مبنيا ، ولأن المسجد عبارة عن موضع السجود وذلك موجود في الخراب ، ولهذا قال أبو يوسف إن المسجد إذا خرب واستغنى الناس عنه أنه يبقى مسجدا إلى يوم القيامة ، ولو حلف لا يدخل هذا البيت أو بيتا فدخله بعد ما انهدم ولا بناء فيه لا يحنث لأن البيت اسم مشتق من البيتوتة سمي بيتا لأنه يبات فيه ولا يبات إلا في البناء ولهذا تسمي العرب الأخبية بيوتا فصار البناء فيه في حق استحقاق الاسم ملتحقا بذات المسمى كاسم الطعام للمائدة والشراب للكأس والعروس للأريكة فيزول الاسم بزواله ، ولو بنى بيتا آخر فدخله لا يحنث أيضا في المعين لأن المعاد عين أخرى غير الأول فلا يحنث بالدخول فيه ، وفي غير المعين حنث لوجود الشرط وهو دخول البيت ولو انهدم السقف وحيطانه قائمة فدخله يحنث في المعين ولا يحنث في المنكر لأن السقف بمنزلة الصفة فيه وهي في الحاضر لغو وفي الغائب معتبرة ، ولو حلف لا يدخل في هذا الفسطاط وهو مضروب في موضع فقلع وضرب في موضع آخر فدخل فيه يحنث ، وكذلك القبة من العيدان ونحوه ، وكذلك درج من عيدان بدار أو منبر ; لأن الاسم في هذه الأشياء لا يزول بنقلها من مكان إلى مكان .

                                                                                                                                ومن هذا الجنس من حيث المعنى إذا حلف لا يجلس إلى هذه الأسطوانة أو إلى هذا الحائط فهدما ثم بنيا بنقضهما لم يحنث ; لأن الحائط إذا هدم زال الاسم عنه وكذا الأسطوانة فبطلت اليمين وكذا إذا حلف لا يكتب بهذا القلم فكسره ثم براه فكتب به ; لأن غير المبري لا يسمى قلما وإنما يسمى أنبوبا فإذا كسر فقد زال الاسم فبطلت اليمين وكذلك إذا حلف على مقص فكسره ثم جعله مقصا غير ذلك ; لأن الاسم قد زال بالكسر وكذلك كل سكين وسيف وقدر كسر ثم صنع مثله ، ولو نزع مسمار المقص ولم يكسره ثم أعاد فيه مسمارا آخر حنث ; لأن الاسم لم يزل بزوال المسمار ، وكذلك إذا نزع نصاب السكين وجعل عليه نصابا آخر ; لأن السكين اسم للحديد ولو حلف على قميص لا يلبسه أو قباء محشوا أو مبطنا أو جبة مبطنة أو محشوة أو قلنسوة أو خفين فنقض ذلك كله ثم أعاده يحنث ; لأن الاسم بقي بعد النقض ، يقال قميص منقوض وجبة منقوضة واليمين المنعقدة على العين لا تبطل بتغير الصفة مع بقاء اسم العين ، وكذلك لو حلف لا يركب هذا السرج ففتقه ثم أعاده ، ولو حلف لا يركب هذه السفينة فنقضها ثم استأنف بذلك الخشب فركبها لا يحنث لأنها لا تسمى سفينة بعد النقض ، [ ص: 38 ] وزوال الاسم يبطل اليمين ، ولو حلف لا ينام على هذا الفراش ففتقه وغسله ثم حشاه بحشو وخاطه ونام عليه حنث ; لأن فتق الفراش لا يزيل الاسم عنه ، ولو حلف لا يلبس شقة خز بعينها فنقضها وغزلت وجعلت شقة أخرى لم يحنث لأنها إذا نقضت صارت خيوطا وزال الاسم عن المحلوف عليه ، ولو حلف على قميص لا يلبسه فقطعه جبة محشوة فلبسه لا يحنث ; لأن الاسم قد زال فزالت اليمين ، ولو حلف لا يقرأ في هذا المصحف فخلعه ثم لف ورقه وغرز دفتيه ثم قرأ فيه يحنث ; لأن اسم المصحف باق وإن فرق ، ولو حلف على نعل لا يلبسها فقطع شراكها وشركها بغيره ثم لبسها حنث ; لأن اسم النعل يتناولها بعد قطع الشراك ، ولو حلفت امرأة لا تلبس هذه الملحفة فخيط جانباها فجعلت درعا وجعل لها جيبا ثم لبستها لم تحنث لأنها درع وليست بملحفة فإن أعيدت ملحفة فلبستها حنثت لأنها عادت ملحفة بغير تأليف ولا زيادة ولا نقصان فهي على ما كانت عليه .

                                                                                                                                وقال ابن سماعة عن محمد في رجل حلف لا يدخل هذا المسجد فزيد فيه طائفة فدخلها لم يحنث ; لأن اليمين وقعت على بقعة معينة فلا يحنث بغيرها ، ولو قال مسجد بني فلان ثم زيد فيه فدخل ذلك الموضع الذي زيد فيه حنث ، وكذلك الدار لأنه عقد يمينه على الإضافة وذلك موجود في الزيادة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية