الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وقال في الإملاء : قال أبو حنيفة : رضي الله عنه إذا أوصى فقال : ثلث مالي لجيراني ، فهو لجيرانه الملاصقين لداره من السكان عبيدا كانوا أو أحرارا نساء كانوا أو رجالا ذمة كانوا أو مسلمين بالسوية قربت الأبواب ، أو بعدت إذا كانوا ملاصقين للدار ، وعندهما الثلث لهؤلاء الذين ذكرهم أبو حنيفة رضي الله عنه ولغيرهم من الجيران من أهل المحلة ممن يضمهم مسجد ، أو جماعة واحدة ، ودعوة واحدة ، فهؤلاء جيرانه في كلام الناس .

                                                                                                                                وقال في الزيادات عن أبي حنيفة رضي الله عنه إذا أوصى لجيرانه ، فقياسه أن يكون للملاصقين ، وقول أبي حنيفة - عليه الرحمة - ينبغي أن يكون الثلث للسكان ، وغيرهم ممن يسكن تلك الدور التي تجب لأجلها الشفعة ، ومن كان منهم له دار في تلك الدور ، وليس بساكن فيها ، فليس من جيرانه قال محمد - رحمه الله - : فأما أنا ، فأستحسن أن أجعل الوصية لجيرانه الملاصقين ممن يملك الدور ، وغيرهم ممن لا يملكها ، ولمن يجمعه مسجد تلك المحلة التي فيها الموصي من الملاصقين ، وغيرهم من السكان ممن في تلك المحلة ، وغيرهم سواء في الوصية الأقربون ، والأبعدون ، والكافر ، والمسلم ، والصبي ، والمرأة في ذلك سواء ، وليس للمماليك ، والمدبرين ، وأمهات الأولاد في ذلك شيء ( وأما ) المكاتبون ، فهم في الوصية إذا كانوا سكانا في المحلة ( وجه ) قولهما : إن اسم الجار كما يقع على الملاصق يقع على المقابل ، وغيره ممن يجمعهما مسجد واحد ، فإن كل واحد منهما يسمى جارا .

                                                                                                                                وقال { لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد } ( وروي ) أن سيدنا عليا رضي الله عنه فسر ذلك ، فقال : هم الذين يجمعهم مسجد واحد ; ولأن مقصود الموصي من الوصية للجار هو البر به ، والإحسان إليه ، وإنه لا يختص بالملاصق ، ولأبي حنيفة - رحمه الله - أن الجوار المطلق ينصرف إلى الحقيقة ، وهي الاتصال بين الملكين بلا حائل بينهما هو حقيقة المجاورة ، فأما مع الحائل ، فلا يكون مجاورا حقيقة ، ولهذا وجبت الشفعة للملاصق لا للمقابل ; لأنه ليس بجار حقيقة ( ومطلق ) الاسم محمول على الحقيقة ; ولأن الجيران الملاصقين هم الذين يكون لبعضهم على بعض حقوق يلزم الوفاء بها حال حياتهم ، فالظاهر أنه أراد بهذه الوصية قضاء حق كان عليه ، وإذا كان كذلك ، فتنصرف الوصية إلى الجيران الملاصقين إلا أنه لا بد من السكنى في الملك الملاصق لملك الموصي ، فإذا وجد ذلك صار كأنه جار له ، فيستحق الوصية ، والمذكور في الحديث جار المسجد ، وجار المسجد فسره علي رضي الله تعالى عنه ، فإذا أوصى لموالي فلان ، وهو أبو فخذ أو قبيلة ، أو لبني فلان ، فإنه يصير كأنه قال : لموالي قبيلة فلان ، ولبني قبيلة فلان ، ويريد به المنتسبين إليهم بالنسب ، والمنتمين إليهم بالولاء هذا هو المتعارف بين أهل اللسان ، ومطلق الكلام ينصرف إليه ، ويصير كالمنطوق بما هو المتعارف عندهم ، ولو قال : نص هذا ثبت المال للمنتسبين إلى هذه القبيلة ، والمنتمين إليهم بالولاء كان الجواب ما قلنا كذا ههنا ، بخلاف ما إذا لم يكن فلان أبا فخذ أو قبيلة [ ص: 352 ] فإن هناك لا عرف فعمل بحقيقة اللفظ ، ولا يصار إلى المجاز إلا بالدليل الظاهر ، ولا يدخل فيه مولى الموالاة ; لأن مولى العتاقة يتقدم عليه ، والله سبحانه وتعالى أعلم ، ثم لا خلاف في أنه إذا قال : ثلث مالي لموالي فلان أنه يدخل في الوصية جميع من نجز عتاقه في صحته ، وفي مرضه ، وسواء كان أعتقه قبل الوصية أو بعدها ; ; لأن نفاذ الوصية متعلق بالموت ، وكل من أعتقه في المرض أو في الصحة بعد أن نجز إعتاقه صار مولى بعد الموت ، فيستحق الوصية ، فأما المدبرون ، وأمهات الأولاد ، فهل يدخلون تحت هذه الوصية ؟ ( روي ) عن أبي يوسف أنهم يدخلون ، وروي عنه رواية أخرى أنهم لا يدخلون ، وهو قول محمد ذكره في الجامع ، وجه الرواية الأولى أن تعلق نفوذ الوصية أوان الموت ، وهم مواليه في ذلك الوقت ، فإنهم يستحقون الوصية ( وجه ) ظاهر الرواية أن أوان نفوذ الوصية ، وهو وقت الموت أوان عتقهم ، فيعتقون في تلك الحالة ، ثم يصيرون مواليه بعده ، والوصية تناولت من كان مولى عند موته ، وهم في تلك الحالة ليسوا بمواليه ، فلا يدخلون في الوصية ( ولو كان ) قال ذلك بعد أن قال إن لم أضربك ، فأنت حر ، فمات قبل أن يضربه عتق ، ودخل في الوصية ; لأنه عتق في آخر جزء من أجزاء حياته لتحقق عدم الضرب منه في تلك الحالة ، ووقوع اليأس عن حصوله من قبله ، فيصير مولى له ، ثم يعتقه الموت ، ثم تنفذ الوصية ، فكان مولى وقت نفوذ الوصية ، ووجوبها ، بخلاف المسألة الأولى ، والله تعالى أعلم بالصواب .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية