الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو حلف لا يأكل فاكهة فأكل تفاحا أو سفرجلا أو كمثرى أو خوخا أو تينا أو إجاصا أو مشمشا أو بطيخا حنث وإن أكل قثاء أو خيارا أو جزرا لا يحنث وإن أكل عنبا أو رمانا أو رطبا لا يحنث في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يحنث ولو أكل زبيبا أو حب الرمان أو تمرا لا يحنث بالإجماع وجه قولهما أن كل واحدة من هذه الأشياء تسمى فاكهة في العرف بل تعد من رءوس الفواكه ولأن الفاكهة اسم لما يتفكه به وتفكه الناس بهذه الأشياء ظاهر فكانت فواكه ولأبي حنيفة قوله تعالى : { فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا } عطف الفاكهة على العنب وقوله عز وجل : { فيهما فاكهة ونخل ورمان } عطف الرمان على الفاكهة والمعطوف غير المعطوف عليه هو الأصل لأن الفاكهة اسم لما يقصد بأكله التفكه وهو التنعم والتلذذ دون الشبع والطعام ما يقصد بأكله التغذي والشبع والتمر عندهم يؤكل بطريق التغذي والشبع .

                                                                                                                                حتى روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { بيت لا تمر فيه جياع أهله } .

                                                                                                                                وقال عليه أفضل الصلاة والسلام يوم الفطر : { أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم } ثم ذكر في جملة ما تقع به الغنية التمر وفي بعضها الزبيب ولأن الفاكهة لا يختلف حكم رطبها ويابسها فما كان رطبه فاكهة كان يابسه فاكهة كالتين والمشمش والإجاص ونحو ذلك واليابس من هذه الأشياء ليس بفاكهة بالإجماع وهو الزبيب والتمر وحب الرمان فكذا رطبها وما ذكراه من العرف [ ص: 61 ] ممنوع بل العرف الجاري بين الناس أنهم يقولون ليس في كرم فلان فاكهة إنما فيه العنب فحسب فالحاصل أن ثمر الشجر كلها فاكهة عندهما وعنده كذلك إلا ثمر النخل والكرم وشجر الرمان لأن سائر الثمار من التفاح والسفرجل والإجاص ونحوها يقصد بأكلها التفكه دون الشبع وكذا يابسها فاكهة كذا رطبها قال محمد التوت فاكهة لأنه يتفكه به والقثاء والخيار والجزر والباقلاء الرطب إدام وليس بفاكهة ألا ترى أنه لا يؤكل للتفكه وإن عنى بقوله لا آكل فاكهة العنب والرطب والرمان فأكل من ذلك شيئا حنث كذا ذكر في الأصل لأن هذه الأشياء مما يتفكه بها وإن كان لا يطلق عليها اسم الفاكهة .

                                                                                                                                وقال محمد بسر السكر والبسر الأحمر فاكهة لأن ذلك مما يتفكه به .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف اللوز والعناب فاكهة رطب ذلك من الفاكهة الرطبة ويابسه من اليابسة لأن ذلك يؤكل على وجه التفكه قال والجوز رطبه فاكهة ويابسه إدام .

                                                                                                                                وقال في الأصل وكذلك الفاكهة اليابسة فيدخل فيها الجوز واللوز وأشباههما وروى المعلى عن محمد أن الجوز اليابس ليس بفاكهة لأنه يؤكل مع الخبز غالبا .

                                                                                                                                فأما رطبه فلا يؤكل إلا للتفكه وجه ما ذكر في الأصل أنه فاكهة ما ذكرنا أن رطبه ويابسه مما لا يقصد به الشبع فصار كسائر الفواكه وذكر المعلى عن محمد في رجل حلف لا يأكل من الثمار شيئا ولا نية له أن ذلك على الرطب واليابس فإن أكل تينا يابسا أو لوزا يابسا حنث فجعل الثمار كالفاكهة لأن أحد الاسمين كالآخر وقال المعلى قلت لمحمد فإن حلف لا يأكل من فاكهة العام أو من ثمار العام ولا نية له قال إن حلف في أيام الفاكهة الرطبة فهذا على الرطب فإن أكل من فاكهة ذلك العام شيئا يابسا لم يحنث وكذلك الثمرة وإن حلف في غير وقت الفاكهة الرطبة كانت يمينه على الفاكهة اليابسة من فاكهة ذلك العام وكان ينبغي في القياس إن كان وقت الفاكهة الرطبة أن يحنث في الرطب واليابس لأن اسم الفاكهة يتناولها إلا أنه استحسن لأن العادة في قولهم فاكهة العام إذا كان في وقت الرطب أنهم يريدون به الرطب دون اليابس فإذا مضى وقت الرطب فلا تقع اليمين إلا على اليابس فيحمل عليه والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية