الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                أما الألفاظ الدالة على منع النفس عن الجماع فأنواع بعضها صريح ، وبعضها يجري مجرى الصريح ، وبعضها كناية أما الصريح فلفظ المجامعة بأن يحلف أن لا يجامعها .

                                                                                                                                وأما الذي يجري مجرى الصريح فلفظ القربان والوطء والمباضعة والافتضاض في البكر ; بأن يحلف أن لا يقربها أو لا يطأها أو لا يباضعها أو لا يفتضها ، وهي بكر .

                                                                                                                                ; لأن القربان المضاف إلى المرأة يراد به الجماع في العرف قال الله تعالى { ولا تقربوهن حتى يطهرن } .

                                                                                                                                وكذا الوطء المضاف إليها غلب استعماله في الجماع .

                                                                                                                                قال النبي صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس { ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ، ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة } ، والمباضعة مفاعلة من البضع ، وهو الجماع أو الفرج ، والافتضاض في العرف عبارة عن جماع البكر - ، وهو كسر العذرة - مأخوذ من الفض ، وهو الكسر .

                                                                                                                                وكذا إذا حلف لا يغتسل منها ; لأن الاغتسال منها لا يكون إلا بالجماع ، فأما الجماع في غير الفرج فالاغتسال لا يكون منها ، وإنما يكون من الإنزال ألا يرى أنه ما لم ينزل لا يجب الغسل .

                                                                                                                                وفي الجماع في الفرج لا يقف وجوب الاغتسال على وجود الإنزال ، ولو قال لم أعن به الجماع لا يدين في القضاء لكونه خلاف الظاهر ، ويدين فيما بينه ، وبين الله تعالى ; لأن اللفظ يحتمله في الجملة .

                                                                                                                                وأما الكناية فنحو لفظة الإتيان والإصابة بأن حلف لا يأتيها أو لا يصيب منها يريد الجماع ; لأنهما من كنايات الجماع ; لأنهما يستعملان في الجماع ، وفي غيره استعمالا على السواء ، فلا بد من النية .

                                                                                                                                وكذا لفظة الغشيان بأن حلف لا يغشاها ; لأن الغشيان يستعمل في الجماع قال الله تعالى { فلما تغشاها } أي : جامعها ، ويستعمل في المجيء ، وفي الستر والتغطية قال الله تعالى { يوم يغشاهم العذاب } قيل : يأتيهم ، .

                                                                                                                                وقيل يسترهم ، ويغطيهم ، فلا بد من النية .

                                                                                                                                وكذا إذا حلف لا يمس جلده جلدها .

                                                                                                                                وقال : لم أعن به الجماع يصدق ; لأنه يحتمل الجماع ، ويحتمل المس المطلق فيحنث بغير الجماع ، والإيلاء ما وقف الحنث فيه على الجماع ; لأنه يمكنه جماعها بغير مماسة الجلد بأن يلف ذكره بحريرة فيجامعها وكذا إذا حلف لا يمسها لما قلنا .

                                                                                                                                وكذا إذا حلف لا يضاجعها أو لا يقرب فراشها .

                                                                                                                                وقال لم أعن به الجماع فهو مصدق في القضاء ; لأن هذا اللفظ يستعمل في الجماع ، ويستعمل في غيره استعمالا واحدا ; ولأنه يمكنه جماعها من غير مضاجعة ، ولا قرب فراش ، ولو حلف لا يجتمع رأسي ، ورأسك فإن عنى به الجماع فهو مول ; لأنه يحتمل الجماع ، وإن لم يعن به الجماع لم يكن موليا ، ولا يجتمعان على فراش ، ولا مرفقة لئلا يلزمه الكفارة ، وله جماعها من غير اجتماع على الفراش ، ولا شيء يجمع رأسها عليه ، ولو حلف لا يجمع رأسي ، ورأسك وسادة أو لا يؤويني ، وإياك بيت أو لا أبيت معك في فراش فإن عنى الجماع فهو مول ; لأنه يحتمل الجماع فتصح نيته ، وكيفما جامعها فهو حانث ، وإن لم يعن به الجماع فليس بمول ، ولا يأوي معها في بيت ، ولا يبيت معها في فراش ، ولا يجتمعان على وسادة لئلا تلزمه الكفارة ، ويطؤها على الأرض والبوادي ، ولو حلف لأسوءنك أو لأغيظنك لا يكون موليا إلا إذا عنى به ترك الجماع ; لأن المساءة قد تكون بترك الجماع وقد تكون بغيره .

                                                                                                                                وكذا الغيظ ، فلا بد من النية .

                                                                                                                                وأما اليمين بالله تعالى ، وبصفاته فهي الحلف باسم من أسماء الله تعالى أو بصفة من صفاته بلفظ لا يستعمل في غير الصفة أو يستعمل في الصفة ، وفي غيرها لكن على وجه لا يغلب استعماله في غير الصفة ، وموضع معرفة هذه الجملة كتاب الأيمان .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية