الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما الثالث ، وهو ما إذا قال : والله لا أقرب واحدة منكما فإنه يصير موليا منهما جميعا حتى لو مضت مدة أربعة أشهر ، ولم يقربهما فيها بانتا جميعا كذا ذكر المسألة في الجامع من غير خلاف ، وهكذا ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي .

                                                                                                                                وذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي فقال على قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف يكون موليا منهما استحسانا .

                                                                                                                                وعلى قول محمد يكون موليا من إحداهما ، وهو القياس .

                                                                                                                                وجه القياس أن قوله واحدة منكما لا يعبر به عنهما بل عن إحداهما ، فصار كقوله والله لا أقرب إحداكما والدليل عليه أنه إذا قرب إحداهما يحنث ، وتلزمه الكفارة فدل أن اليمين تناولت إحداهما لا غير ، ووجه الاستحسان - وهو الفرق بين المسألتين - أن قوله إحداكما معرفة ; لأنه مضاف إلى الكناية والكنايات معارف بل أعرف المعارف والمضاف إلى المعرفة معرفة ، والمعرفة تختص في النفي كما تختص في الإثبات وقوله : واحدة منكما نكرة ; لأنها نكرة بنفسها ، ولم يوجد ما يوجب صيرورتها معرفة ، وهو اللام أو الإضافة فبقيت نكرة ، وأنها في محل النفي فتعم ، والدليل على التفرقة بينهما أنه يستقيم إدخال كلمة الإحاطة والاشتمال - وهي كلمة كل - على واحدة منكما .

                                                                                                                                ولا يستقيم إدخالها على إحداكما حتى يصح أن يقال : والله لا أقرب كل واحدة منكما ، ولا يصح أن يقال : والله لا أقرب كل إحداكما فدل أن قوله واحدة منكما يصلح لهما وقوله : إحداكما لا يصلح لهما ، إلا أنه إذا قال والله لا أقرب واحدة منكما فقرب إحداهما يبطل إيلاؤهما جميعا ، وتلزمه الكفارة لوجود شرط الحنث ، وهو قربان واحدة منهما ، بخلاف ما إذا قال : والله لا أقربكما فقرب واحدة منهما إنه يبطل إيلاؤهما ، ولا يبطل إيلاء الباقية حتى لا تجب عليه الكفارة ; أما بطلان إيلاء التي قربها فلوجود شرط البطلان ، وهو القربان ، ولم يوجد القربان في الباقية ، فلا يبطل إيلاؤها ، وأما عدم وجوب الكفارة فلعدم شرط الوجوب ، وهو قربانهما جميعا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية