الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                إذا أضافه إلى الوقت بأن قال : إذا جاء غد فوالله لا أقربك ، أو قال : إذا جاء رأس شهر كذا فوالله لا أقربك ، وإذا وجد الشرط أو الوقت فيصير موليا ، ويعتبر ابتداء المدة من وقت وجود الشرط والوقت ; لأن الإيلاء يمين ، واليمين تحتمل التعليق بالشرط والإضافة إلى الوقت كسائر الأيمان ، وإن وقته إلى غاية ينظر إن كان المجعول غاية لا يتصور وجوده في مدة الإيلاء يكون موليا كما إذا قال : وهو في شعبان : والله لا أقربك حتى أصوم المحرم ; لأنه منع نفسه عن قربانها بما يصلح مانعا ; لأنه لا يمكنه قربانها إلا بحنث يلزمه ، وهو الكفارة .

                                                                                                                                ألا ترى أنه لا يتصور وجود الغاية - وهو صوم المحرم - في المدة ، وكذلك يعد مانعا في العرف ; لأنه يحلف به عادة .

                                                                                                                                وكذا لو قال : والله لا أقربك إلا في مكان كذا ، وبينه ، وبين ذلك المكان أربعة أشهر فصاعدا يكون موليا ; لأنه لا يمكنه قربانها من غير حنث يلزمه ، وإن كان أقل من ذلك لم يكن موليا لإمكان القربان من غير شيء يلزمه .

                                                                                                                                وكذا لو قال : والله لا أقربك حتى تفطمي صبيك ، وبينها ، وبين الفطام أربعة أشهر فصاعدا يكون موليا ، وإن كان أقل من ذلك لم يكن موليا لما قلنا ، ولو قال : والله لا أقربك حتى تخرج الدابة من الأرض أو حتى يخرج الدجال أو حتى تطلع الشمس من مغربها .

                                                                                                                                فالقياس أن لا يكون موليا لتصور وجود الغاية في المدة ساعة فساعة فيمكنه قربانها في المدة من غير شيء يلزمه ، فلا يكون موليا ، وفي الاستحسان يكون موليا ; لأن حدوث هذه الأشياء لها علامات يتأخر عنها بأكثر من مدة الإيلاء على ما نطق به الإخبار ، فلا توجد هذه الغاية في زماننا في مدة أربعة أشهر عادة فلم تكن الغاية متصورة الوجود عادة ، فلا يمكنه قربانها من غير حنث يلزمه عادة فيكون موليا ; ولأن هذا اللفظ يذكر على إرادة التأبيد في العرف فصار كأنه قال : والله لا أقربك أبدا وكذا إذا قال : والله لا أقربك حتى تقوم الساعة كان موليا ، وإن كان يمكن في العقل قيام الساعة ساعة فساعة لكن قامت دلائل الكتاب العزيز والسنن المشهورة على أنها لا تقوم إلا بعد تقدم أشراطها العظام كطلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدجال ، وخروج يأجوج ، ومأجوج ، ونحو ذلك ، ولم يوجد شيء من ذلك في زماننا فلم تكن الغاية قبلها متصورة الوجود عادة على أن مثل هذه الغاية تذكر ، ويراد بها التأبيد في العرف والعادة كما قال الله تعالى { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } أي : لا يدخلونها أصلا ، ورأسا ، وكما يقال : لا أفعل كذا حتى يبيض الفأر ، ويشيب الغراب ، ونحو ذلك فإنه يصير كأنه قال : والله لا أقربك حتى تموتي أو حتى أموت أو حتى تقتلي أو حتى أقتل أو حتى أقبلك أو حتى تقبليني كان موليا ، وإن كان يتصور وجود هذه الأشياء في المدة لكن لا يتصور بقاء النكاح بعد وجودها فيصير حاصل هذا الكلام كأنه قال : والله لا أقربك ما دمت زوجك أو ما دمت زوجتي أو ما دمت حيا أو ما دمت حية ، ولو قال ذلك كان موليا إذ لو لم يكن موليا لما تصور انعقاد الإيلاء ; لأن هذا التقدير ثابت في كل الإيلاء .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية