الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) الأمان المؤبد فهو المسمى بعقد الذمة ، والكلام فيه في مواضع : في بيان ركن العقد ، وفي بيان شرائط الركن ، وفي بيان حكم العقد ، وفي بيان صفة العقد ، وفي بيان ما يؤخذ به أهل الذمة ، وما يتعرض له وما لا يتعرض له .

                                                                                                                                ( أما ) ركن العقد فهو نوعان : نص ، ودلالة .

                                                                                                                                ( أما ) النص فهو لفظ يدل عليه ، وهو لفظ العهد والعقد على وجه مخصوص .

                                                                                                                                ( وأما ) الدلالة فهي فعل يدل على قبول الجزية نحو أن يدخل حربي في دار الإسلام بأمان ، فإن أقام بها سنة بعد ما تقدم إليه في أن يخرج أو يكون ذميا ، والأصل أن الحربي إذا دخل دار الإسلام بأمان ، ينبغي للإمام أن يتقدم إليه ، فيضرب له مدة معلومة على حسب ما يقتضي رأيه ويقول له : إن جاوزت المدة جعلتك من أهل الذمة فإذا جاوزها صار ذميا ; لأنه لما قال له ذلك فلم يخرج حتى مضت المدة ، فقد رضي بصيرورته ذميا ، فإذا أقام سنة من يوم قال له الإمام ، أخذ منه الجزية ولا يتركه يرجع إلى وطنه قبل ذلك .

                                                                                                                                وإن خرج بعد تمام السنة فلا سبيل عليه ، ولو قال الإمام عند الدخول : ادخل ولا تمكث سنة فمكث سنة ، صار ذميا ، ولا يمكن من الرجوع إلى وطنه لما قلنا ، ولو اشترى المستأمن أرضا خراجية ، فإذا وضع عليه الخراج صار ذميا ; لأن وظيفة الخراج يختص بالمقام في دار الإسلام ، فإذا قبلها فقد رضي بكونه من أهل دار الإسلام ، فيصير ذميا ، ولو باعها قبل أن يجبي خراجها ، لا يصير ذميا ; لأن دليل قبول الذمة ، وجوب الخراج لا نفس الشراء فما لم يوضع عليه الخراج لا يصير ذميا ، ولو استأجر أرضا خراجية فزرعها لم يصر ذميا ; لأن الخراج على الآجر دون المستأجر ، فلا يدل على التزام الذمة إلا إذا كان خراجا مقاسمة ، فإذا أخرجت الأرض وأخذ الإمام الخراج من الخارج وضع عليه الجزية ، وجعله ذميا .

                                                                                                                                ولو اشترى المستأمن أرض المقاسمة ، وأجرها من رجل من المسلمين ، فأخذ الإمام الخراج من ذلك لا يصير المستأمن ذميا لما بينا أن نفس الشراء لا يدل على الالتزام ، بل دليل الالتزام هو وجوب الخراج عليه ، ولم يجب ولو اشترى الحربي المستأمن أرض خراج فزرعها ، فأخرجت زرعا ، فأصاب الزرع آفة ، إنه لا يصير ذميا ; لأنه إذا أصاب الزرع آفة لم يجب الخراج ، فصار كأنه لم يزرعها فبقي نفس الشراء ، وإنه لا يصلح دليل قبول الذمة ولو وجب على المستأمن الخراج في أقل من سنة منذ يوم ملكها ، صار ذميا حين وجوب الخراج ، ويؤخذ منه خراج رأسه بعد سنة مستقبلة ; لأنه بوجوب خراج الأرض صار ذميا كان عقد الذمة نصا ، فيعتبر ابتداء العقد من حين وجوب الخراج ، فيؤخذ خراج الرأس بعد تمام السنة من ذلك الوقت ولو تزوجت الحربية المستأمنة في دار الإسلام ذميا ، صارت ذمية ولو تزوج الحربي المستأمن في دار الإسلام ذمية لم يصر ذميا .

                                                                                                                                ( ووجه ) الفرق أن المرأة تابعة لزوجها ، فإذا تزوجت بذمي فقد رضيت بالمقام في دارنا ، فصارت ذمية تبعا لزوجها فأما الزوج فليس بتابع للمرأة ، فلا يكون تزوجه إياها دليل الرضا بالمقام في دارنا ، فلا يصير ذميا والله - تعالى - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية