الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو قطع يده ، وهو مسلم ثم ارتد ، والعياذ بالله ، ثم مات فعلى القاطع دية اليد لا غير لأنه أبطل عصمة نفسه بالردة فصارت الردة بمنزلة الإبراء عن السراية ، ولو رجع إلى الإسلام ثم مات فعلى القاطع دية النفس في قولهما ، وعند محمد عليه دية اليد لا غير .

                                                                                                                                وجه قوله على نحو ما ذكرنا أنه لما ارتد فكأنه أبرأ القاطع عن السراية .

                                                                                                                                وجه قولهما أن الجناية يتعلق حكمها بالابتداء أو بالانتهاء ، وما بينهما لا يتعلق به حكم ، والمحل ههنا مضمون في الحالين فكانت الجناية مضمونة فيهما فلا تعتبر الردة العارضة فيما بينهما ( وأما ) قول محمد الردة بمنزلة البراءة فنعم لكن بشرط الموت عليها ; لأن حكم الردة موقوف على الإسلام والموت ، وقد كانت الجناية مضمونة فوقف حكم السراية أيضا وكذلك لو لحق بدار الحرب ، ولم يقض القاضي بلحوقه ثم رجع إلينا مسلما ثم مات من القطع فهو على هذا الخلاف ، وإن كان القاضي قضى بلحوقه ثم عاد مسلما ثم مات من القطع فعلى القاطع دية يده لا غير بالإجماع ; لأن لحوقه بدار الحرب يقطع حقوقه بدليل أنه يقسم ماله بين ورثته بعد اللحوق ، ولا يقسم قبله فصار كالإبراء عن الجناية .

                                                                                                                                ولو قطع يد عبد خطأ فأعتقه مولاه ثم مات منها فلا شيء على القاطع غير أرش اليد وعتقه كبرء اليد لأن السراية لو كانت مضمونة على الجاني فإما أن تكون مضمونة عليه للمولى ( وإما ) أن تكون مضمونة عليه للعبد ، لا سبيل إلى الأول ; لأن المولى ليس بمالك له بعد العتق ، ولا [ ص: 306 ] وجه للثاني ; لما ذكرنا أن السراية تكون تابعة للجناية فالجناية لما لم تكن مضمونة للعبد لا تكون سرايتها مضمونة له ، ولهذا قلنا إذا باعه المولى بعد القطع سقط حكم السراية وليس قطع اليد في هذا مثل الرمي في قول أبي حنيفة - رحمه الله - حيث أوجب عليه بالرمي القيمة وإن أعتقه المولى ولم يوجب في القطع إلا أرش اليد لما ذكرنا أن الرمي سبب الإصابة لا محالة فصار جانيا به وقت الرمي ( فأما ) القطع فليس بموجب للسراية لا محالة ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                وإن كان قطع يد العبد عمدا فأعتقه مولاه ثم مات العبد ينظر إن كان المولى هو وارثه لا وارث له غيره فله أن يقتل الجاني في قولهما خلافا لمحمد ، وقد مرت المسألة ، وإن كان له وارث غيره يحجبه عن ميراثه ويدخل معه في ميراثه فلا قصاص لاشتباه الولي على ما مر ، ولو لم يعتقه بعد القطع ولكنه دبره أو كانت أمة فاستولدها فإنه لا تنقطع السراية ويجب نصف القيمة ، ويجب ما نقص بعد الجناية قبل الموت هذا إذا كان خطأ ، وإن كان عمدا فللمولى أن يقتص بالإجماع ولو كاتبه والمسألة بحالها فبالكتابة برئ عن السراية فيجب نصف القيمة للمولى فإذا مات وكان خطأ لا يجب عليه شيء آخر ، وإن كان عمدا فإن كان عاجزا فللمولى أن يقتص لأنه مات عبدا ، وإن مات عن وفاء فقد مات حرا فينظر إن كان له وارث يحجب المولى أو يشاركه فلا قصاص عليه ، ويجب عليه أرش اليد لا غير ، وإن لم يكن له وارث غير المولى فللمولى أن يقتص عندهما ، وعند محمد - رحمه الله - ليس له أن يقتص ، وعليه أرش اليد لا غير ، وإن كان القطع بعد الكتابة فمات وكان القطع خطأ أو مات عاجزا فالقيمة للمولى ، وإن مات عن وفاء فالقيمة للورثة ، وإن كان عمدا فإن مات عاجزا فللمولى أن يقتص ، وإن مات عن وفاء مات حرا ثم ينظر إن كان مع المولى وارث يحجبه أو يشاركه في الميراث فلا قصاص ، وإن لم يكن له وارث غير المولى فعلى الاختلاف الذي ذكرنا ، والله تعالى أعلم هذا إذا كانت السراية إلى النفس فأما إذا كانت إلى العضو فالأصل أن الجناية إذا حصلت في عضو فسرت إلى عضو آخر - والعضو الثاني لا قصاص فيه - فلا قصاص في الأول أيضا ، وهذا الأصل يطرد على أصل أبي حنيفة عليه الرحمة في مسائل .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية