الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                هذا إذا حاصر الغزاة مدينة أو حصنا من حصون الكفرة ، فجاءوا فاستأمنوهم ، فأما إذا استنزلوهم عن الحكم فهذا على وجهين .

                                                                                                                                ( إما ) أن استنزلوهم على حكم الله - سبحانه وتعالى ، وإما أن استنزلوهم على حكم العباد ، بأن استنزلوهم على حكم رجل فإن استنزلوهم على حكم الله - سبحانه وتعالى - جاز إنزالهم عليه عند أبي يوسف .

                                                                                                                                والخيار إلى الإمام إن شاء قتل مقاتلتهم وسبى نساءهم وذراريهم ، وإن شاء سبى الكل ، وإن شاء جعلهم ذمة مقاتلتهم وعند محمد لا يجوز الإنزال على حكم الله - تعالى - فلا يجوز قتلهم واسترقاقهم ، ولكنهم يدعون إلى الإسلام ، فإن أبوا جعلوا ذمة واحتج محمد بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في وصايا الأمراء عند بعث الجيش { : وإذا حاصرتم مدينة أو حصنا ، فإن أرادوا أن تنزلوهم على حكم الله - عز وجل - فإنكم لا تدرون ما حكم الله - تعالى - فيهم } نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإنزال على حكم الله - تعالى - ونبه عليه الصلاة والسلام على المعنى ، وهو أن حكم الله - سبحانه وتعالى - غير معلوم ، فكان الإنزال على حكم الله - تعالى - من الإمام قضاء بالمجهول ، وإنه لا يصح .

                                                                                                                                وإذا لم يصح الإنزال على حكم الله - سبحانه وتعالى - فيدعون إلى الإسلام ، فإن أجابوا فهم أحرار مسلمون لا سبيل على أنفسهم وأموالهم ، وإن أبوا لا يقتلهم الإمام ولا يسترقهم ، ولكن يجعلهم ذمة ، فإن طلبوا من الإمام أن يبلغهم مأمنهم لم يجبهم إليه ; لأنه لو ردهم إلى مأمنهم لصاروا حربا لنا .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي يوسف أن الاستنزال على حكم الله - عز وجل - هو الاستنزال على الحكم المشروع للمسلمين في حق الكفرة والقتل والسبي وعقد الذمة كل ذلك حكم مشروع في حقهم ، فجاز الإنزال عليه قوله : إن ذلك مجهول لا يدري المنزل عليه ، أي حكم هو ؟ .

                                                                                                                                قلنا : نعم لكن يمكن الوصول إليه والعلم به ; لوجود سبب العلم ، وهو الاختيار وهذا لا يكفي لجواز الإنزال عليه ، كما قلنا في الكفارات : إن الواجب أحد الأشياء الثلاثة ، وذلك غير معلوم ، ثم لم يمنع ذلك وقوع تعلق التكليف به ; لوجود سبب العلم به ، وهو اختيار الكفر المكلف ، كذا هذا يدل عليه أنه يجوز الإنزال على حكم العباد بالإجماع على حكم العباد إنزال على حكم الله - تعالى - حقيقة ، إذ العبد لا يملك إنشاء الحكم من نفسه قال الله - تعالى - { ولا يشرك في حكمه أحدا } وقال - تبارك وتعالى - { إن الحكم إلا لله } ولكنه يظهر حكم الله - عز وجل - المشروع في الحادثة ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ رضي الله عنه { لقد حكمت [ ص: 108 ] بحكم الله - تعالى - من فوق سبعة أرقعة } .

                                                                                                                                ( وأما ) الحديث فيحتمل أنه مصروف إلى زمان جواز ورود النسخ ، وهو حال حياة النبي ; عليه الصلاة والسلام لانعدام استقرار الأحكام الشرعية في حياته عليه الصلاة والسلام لئلا يكون الإنزال على الحكم المنسوخ عسى ; لاحتمال النسخ فيما بين ذلك وقد انعدم هذا المعنى بعد وفاته ; عليه الصلاة والسلام لخروج الأحكام عن احتمال النسخ بوفاته .

                                                                                                                                صلى الله عليه وسلم وإذا جاز الإنزال على حكم الله سبحانه وتعالى عند أبي يوسف ، فالخيار فيه إلى الإمام ، فأيما كان أفضل للمسلمين من القتل والسبي والذمة فعل ; لأن كل ذلك حكم الله - سبحانه وتعالى - المشروع للمسلمين في حق الكفرة فإن أسلموا قبل الاختيار ، فهم أحرار مسلمون ، لا سبيل لأحد عليهم وعلى أموالهم ، والأرض لهم ، وهي عشرية وكذلك إذا جعلهم ذمة فهم أحرار ، ويضع على أراضيهم الخراج فإن أسلموا قبل توظيف الخراج صارت عشرية ، هذا إذا كان الإنزال على حكم الله - سبحانه وتعالى .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية