الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما شرائط وجوب القسامة والدية فأنواع : منها أن يكون الموجود قتيلا وهو أن يكون به أثر القتل من جراحة أو أثر ضرب أو خنق ، فإن لم يكن شيء من ذلك فلا قسامة فيه ، ولا دية ; لأنه إذا لم يكن به أثر القتل فالظاهر أنه مات حتف أنفه ، فلا يجب فيه شيء ، فإذا احتمل أنه مات حتف أنفه واحتمل أنه قتل احتمالا على السواء فلا يجب شيء بالشك والاحتمال ; ولهذا لو وجد في المعركة ، ولم يكن به أثر القتل لم يكن شهيدا حتى يغسل ، وعلى هذا قالوا : إذا وجد والدم يخرج من فمه أو من أنفه أو من دبره أو ذكره لا شيء فيه ; لأن الدم يخرج من هذه المواضع عادة بدون الضرب بسبب القيء والرعاف وعارض آخر فلا يعرف كونه قتيلا ، وإن كان يخرج من عينه أو أذنه ففيه القسامة والدية ; لأن الدم [ ص: 288 ] لا يخرج من هذه المواضع عادة فكان الخروج مضافا إلى ضرب حادث ، فكان قتيلا ; ولهذا لو وجد هكذا في المعركة كان شهيدا ، وفي الأول لا يكون شهيدا ، ولو مر في محلة فأصابه سيف أو خنجر فجرحه ولا يدري من أي موضع أصابه فحمل إلى أهله فمات من تلك الجراحة ، فإن كان لم يزل صاحب فراش حتى مات - فعلى عاقلة القبيلة القسامة والدية ، وإن لم يكن صاحب فراش فلا قسامة ، ولا دية وهذا قولهما .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف - رحمه الله - : لا قسامة فيه ولا ضمان في الوجهين جميعا ، وهو قول ابن أبي ليلى - رحمه الله - وجه قول أبي يوسف : أن المجروح إذا لم يمت في المحلة كان الحاصل في المحلة ما دون النفس ولا قسامة فيما دون النفس كما لو وجد مقطوع اليد في المحلة ; ولهذا لو لم يكن صاحب الفراش فلا شيء فيه كذا هذا .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي حنيفة - رحمه الله - أنه إذا لم يبرأ عن الجراحة .

                                                                                                                                وكان لم يزل صاحب فراش حتى مات علم أنه مات من الجراحة فعلم أن الجراحة حصلت قتلا من حين وجودها ، فكان قتيلا في ذلك الوقت كأنه مات في المحلة بخلاف ما إذا لم يكن صاحب فراش ; لأنه إذا لم يصر صاحب فراش لم يعلم أن الموت حصل من الجراحة فلم يوجد قتيلا في المحلة فلا يثبت حكمه ، وعلى هذا يخرج ما إذا وجد من القتيل أكثر بدنه أن فيه القسامة والدية ; لأنه يسمى قتيلا ; لأن للأكثر حكم الكل ، ولو وجد عضو من أعضائه كاليد والرجل أو وجد أقل من نصف البدن فلا قسامة فيه ولا دية ; لأن الأقل من النصف لا يسمى قتيلا ولأنا لو أوجبنا في هذا القدر القسامة لأوجبنا في الباقي قسامة أخرى فيؤدي إلى اجتماع قسامتين في نفس واحدة وهذا لا يجوز ، وإن وجد النصف ، فإن كان النصف الذي فيه الرأس - ففيه القسامة والدية ، وإن كان النصف الآخر فلا قسامة فيه ولا دية ; لأن الرأس إذا كان معه يسمى قتيلا وإذا لم يكن لا يسمى قتيلا ; لأن الرأس أصل ولأنا لو أوجبنا في النصف الذي لا رأس فيه للزمنا الإيجاب في النصف الذي معه الرأس فيؤدي إلى ما قلنا ، وإن وجد الرأس وحده فلا قسامة ولا دية ; لأن الرأس وحده لا يسمى قتيلا ، وإن وجد النصف مشقوقا فلا شيء فيه ; لأن النصف المشقوق لا يسمى قتيلا ، ولأن في اعتباره إيجاب القسامتين على ما بينا ، ونظير هذا ما قلنا في صلاة الجنازة : إذا وجد أكثر البدن أو أقله أو نصفه على التفصيل الذي ذكرنا ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية