الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) المكره على إتلاف مال الغير إذا أتلفه يجب الضمان على المكره دون المكره إذا كان الإكراه تاما ; لأن المتلف هو المكره من حيث المعنى ، وإنما المكره بمنزلة الآلة على معنى أنه مسلوب الاختيار إيثارا وارتضاء ، وهذا النوع من الفعل مما يمكن تحصيله بآلة غيره بأن يأخذ المكره فيضربه على المال فأمكن جعله آلة المكره ، فكان التلف حاصلا بإكراهه فكان الضمان عليه وإن كان الإكراه ناقصا فالضمان على المكره لأن الإكراه الناقص لا يجعل المكره آلة المكره ; لأنه لا يسلب الاختيار أصلا ، فكان الإتلاف من المكره فكان الضمان عليه .

                                                                                                                                وكذلك لو أكره على أن يأكل مال غيره فالضمان عليه ; لأن هذا النوع من الفعل وهو الأكل مما لا يعمل عليه الإكراه ; لأنه لا يتصور تحصيله بآلة غيره فكان طائعا فيه فكان الضمان عليه ، ولو أكره على أن يأكل طعام نفسه فأكل أو على أن يلبس ثوب نفسه فلبس حتى تخرق لا يجب الضمان على المكره ; لأن الإكراه على أكل مال غيره لما لم يوجب الضمان على المكره فعلى مال نفسه أولى مع ما أن أكل مال نفسه ولبس ثوب نفسه ليس من باب الإتلاف بل هو صرف مال نفسه إلى مصلحة بقائه ، ومن صرف مال نفسه إلى مصلحته لا ضمان له على أحد .

                                                                                                                                ولو أذن صاحب المال المكره بإتلاف ماله من غير إكراه فأتلفه لا ضمان على أحد ; لأن الإذن بالإتلاف يعمل في الأموال ; لأن الأموال مما تباح بالإباحة ، وإتلاف مال مأذون فيه لا يوجب الضمان ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية