الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو قتلت أمة رجلا ثم ولدت بنتا فقتلت البنت رجلا ثم إن البنت قتلت أمها فالمولى يخير بين دفع البنت إلى وليي الجنايتين ، وبين الفداء ، فإن اختار الفداء فدى ، لأولياء قتيل البنت بالدية ، ولأولياء قتيل الأم بقيمة الأم لما ذكرنا فيما تقدم تعلق حق المجني عليه وهو حق الدفع ألحق المولى بالأجنبي ، فتصير كأنها جنت على جارية أخرى لأجنبي ، وإن اختار الدفع ضرب أولياء قتيل البنت بالدية ، وأولياء قتيل الأم بقيمة العبد فيقسم العبد بينهم على ذلك ، حتى لو كانت قيمة الأم ألف درهم كانت القسمة على إحدى عشر سهما ، كل ألف درهم سهم ، سهم من ذلك لأولياء قتيل الأم ، وعشرة أسهم لأولياء قتيل البنت ، ولو كانت البنت فقأت عين الأم ولم تقتلها فالمولى يخير بين الدفع والفداء لا يخلو ( إما ) أن يختار دفعهما جميعا .

                                                                                                                                ( وإما ) أن يختار فداءهما جميعا .

                                                                                                                                ( وإما ) أن يختار فداء البنت ودفع الأم .

                                                                                                                                ( وإما ) أن يختار فداء الأم ودفع البنت ، فإن اختار دفعهما جميعا يدفع الأم إلى أولياء قتيل الأم ، وهذا ظاهر ، ويدفع البنت إلى أولياء قتيل البنت وإلى أولياء قتيل الأم .

                                                                                                                                وكانت مقسومة بينهم على قدر حقوقهم فيتضاربون فيها ، يضرب أولياء قتيل البنت فيها بالدية ; لأن حقهم تعلق بكل البنت ، وأولياء قتيل الأم بنصف قيمة الأم ; لأنها فقأت إحدى عينيها ، والعين من الآدمي نصفه ، فإن اختار فداءهما جميعا فدى الكل فريق من أولياء الجنايتين بتمام الدية ; لأن ذلك أرش كل واحد من الجنايتين ، وسقطت جناية البنت على الأم ; لأنهما جميعا ملك المولى ، وقد طهرتا عن الجناية بالفداء ، وخلص ملك المولى فيهما ، فبقيت جناية البنت عليهما جناية ملك المولى على ملكه ، فتكون هدرا ، وإن اختار دفع الأم وفداء البنت دفع الأم إلى أولياء قتيل الأم ، ثم يفدي البنت ، يفدي لأولياء قتيل البنت بالدية ، ولأولياء قتيل الأم بنصف قيمة الأم لما بينا وإن اختار دفع البنت وفداء الأم يدفع البنت إلى أولياء قتيل البنت ، ويفدي لأولياء قتيل الأم بكمال الدية ، وبطلت جناية البنت على الأم ; لأن الأم طهرت بالفداء ، وخلص ملك المولى فيها فصار جناية البنت على أمها جناية ملك المولى على ملكه ، فتكون هدرا ، ولو أن الأم بعد ذلك فقأت عين البنت قبل أن تدفع واحدة منهما فإن المولى يخير فيهما جميعا فيبدأ بالبنت ; لأنها هي التي بدأت بالجناية ، فيدفع إلى أولياء الجنايتين ، فيتضاربون فيها ، فيضرب فيها أولياء قتيل البنت بالدية ، وأولياء قتيل الأم بنصف قيمة الأم لما بينا في المسألة الأولى .

                                                                                                                                ثم يدفع الأم إليهم فيتضاربون فيها ، فيضرب فيها أولياء قتيل الأم بالدية إلا ما وصل إليهم من أرش البنت ، ويضرب فيها أولياء قتيل البنت بنصف قيمة البنت ; لأن كل واحدة منهما جنت جنايتين فتدفع كل واحدة بجنايتها طعن في هذا الجواب ، وقيل ينبغي إذا دفع البنت في الابتداء أن يضرب فيها أولياء قتيل الأم بنصف قيمة الأم ، وأولياء قتيل البنت بالدية إلا ما يصل إليهم في المستأنف ; لأنه يصل إليهم بعض الأم ، فينبغي أن لا يضربوا بتمام الدية ، والصحيح ما ذكر في الكتاب ; لأن البنت حين دفعت كان حق أولياء قتيل البنت في تمام الدية ، ولم يكن وصل إليهم شيء فوجب أن يضربوا بجميع ذلك ، والزيادة التي تظهر لهم في المستأنف لا عبرة بها ; لأن القسمة قد صحت وقت الدفع فلا تتغير بعد ذلك ، كما قالوا في رجل مات وعليه لرجل ألف ولآخر ألفان ، وترك ألفا فاقتسماها أثلاثا ثم إن صاحب الألفين أبرأ الميت عن ألف : إن القسمة الأولى لا تنتقض ، كذا هذا ، ولو جنت الأمة جناية ثم ، ولدت ولدا فقطع ولدها يدها يدفع الولد مع الأم لما ذكرنا أن الولد في حكم الجناية على الأم بمنزلة الأجنبي فصار كأن عبد أجنبي قطع يدها ، ودفع بالجناية ، وهناك يدفع العبد مع الجارية لكونه قائما مقام يد الجارية ، كذا هذا ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية