الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو كاتبه وهو عالم بالجناية صار مختارا اختيارا على التوقف لفوات الدفع في الحال على التوقف ، فإن أدى بدل الكتابة فعتق تقرر الاختيار ، وإن عجز ورد في الرق ينظر في ذلك إن خوصم قبل أن يعجز فقضى بالدية ثم عجز لا يرتفع القضاء ; لأن الدية كانت وجبت بالكتابة من حيث الظاهر ، وتقرر الوجوب باتصال القضاء به ، وإن لم يخاصم حتى عجز كان للمولى أن يدفعه ; لأن الدفع كأن لم يثبت على القطع والبتات لاحتمال أن يعجز ، فإن عجز جعل كأن الكتابة لم تكن فكان له أن يدفعه .

                                                                                                                                وروي عن أبي يوسف أنه يصير مختارا بنفس الكتابة لتعذر الدفع بنفسها لزوال يده عنه ، ثم عادت إليه بسبب جديد وهو العجز ، ولو كاتبه كتابة فاسدة كان ذلك اختيارا منه ، بخلاف البيع الفاسد أنه لا يكون اختيارا بدون التسليم ; لأن الكتابة الفاسدة ، وهي تعلق العتق بالأداء تثبت بنفس العقد ، والبيع الفاسد لا يفيد الحكم بنفسه بل بواسطة التسليم .

                                                                                                                                ( وأما ) الإجارة ، والرهن ، والتزويج بأن زوج العبد الجاني امرأة أو زوج الأمة الجانية إنسانا فهل يكون اختيارا ؟ ذكر في ظاهر الرواية أنه لا يكون اختيارا ; لأن الدفع لم يفت ; لأن الملك قائم فكان الدفع ممكنا في الجملة ، وذكر الطحاوي رحمه الله أنه يكون اختيارا ; لأن الدفع للحال متعذر فأشبه البيع ، والتزويج تعييب فأشبه التعييب حقيقة .

                                                                                                                                ولو أقر به لغيره لا يكون مختارا ، كذا ذكر في الأصل ; لأن الإقرار به لغيره لا يفوت الدفع ; لأن المقر مخاطب بالدفع أو الفداء ، وذكر الكرخي رحمه الله في مختصره أنه يكون مختارا ; لأن إقراره به لغيره في معنى التمليك منه إذ العبد ملكه من حيث الظاهر لوجود دليل الملك وهو اليد ، فإذا أقر به لغيره فكأنه ملكه منه ، ولو قتله المولى صار مختارا ; لأنه فوت الدفع بالقتل ، ولو قتله أجنبي فإن كان عمدا بطلت الجناية ، وللمولى أن يقتله قصاصا ; لأنه فات محل الدفع لا إلى خلف هو مال فتبطل الجناية ، وإن كان خطأ يأخذ المولى القيمة ، ويدفعها إلى ولي الجناية ، ولا يخير المولى في القيمة على ما بينا فيما تقدم ، ولو لم يقتله المولى ولكن عيبه بأن قطع يده أو فقأ عينه أو جرحه جراحة أو ضربه ضربا أثر فيه ونقصه ، وهو عالم بالجناية صار مختارا للفداء ; لأنه بالنقصان حبس عن المجني عليه جزءا من العبد ، وحبس الكل دليل اختيار الفداء ; لأنه دليل إمساك العبد لنفسه ، فكذا حبس الجزء ، ولأن حكم الجزء حكم الكل ، والله سبحانه أعلم .

                                                                                                                                ولو ضرب المولى عينه فابيضت ، وهو عالم بالجناية حتى جعل مختارا ثم ذهب البياض ، فإن ذهب قبل أن يخاصم فيه بطل الاختيار ، ويؤمر بالدفع أو الفداء ; لأنه إنما جعل مختارا لأجل النقصان ، وقد زال فجعل كأن ذلك لم يكن ، وإن خوصم في حال البياض فضمنه القاضي القيمة ثم زال البياض فقضاء القاضي نافذ لا يرد ، ولا يبطل اختياره ; لأن اختياره وقع صحيحا ، ووجب الدين ، وقد استقر باتصال القضاء به ، وإن استخدمه ، وهو عالم بالجناية لا يصير مختارا للفداء ; لأنه لا يفوت الدفع بالاستخدام ; لقيام الملك ، وكذا الاستخدام لا يختص بالملك ، ولهذا لا يبطل به خيار الشرط فلا يكون دليلا على إمساك العبد لنفسه ، فإن عطب في الخدمة فلا ضمان عليه ، وبطل حق ولي الجناية ; لأن الاستخدام ليس باختيار لما بينا ، ولم يوجد منه تصرف آخر يدل على الاختيار فصار كأنه عطب قبل الاستخدام .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية