الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              القانون الخامس :

              في حصر مداخل الخلل في الحدود

              وهي ثلاثة ، فإنه تارة يدخل من جهة الجنس وتارة من جهة الفصل وتارة من جهة أمر مشترك بينهما . أما الخلل من جهة الجنس فأن يؤخذ الفصل بدله ، كما يقال في العشق : إنه إفراط المحبة ، وإنما ينبغي أن يقال إنه المحبة المفرطة ، فالإفراط يفصلها عن سائر أنواع المحبة . ومن ذلك أن يؤخذ المحل بدل الجنس كقولك في الكرسي : إنه خشب يجلس عليه ، وفي السيف : إنه حديد يقطع به ، بل ينبغي أن يقال للسيف : إنه آلة صناعية من حديد مستطيلة عرضها كذا ويقطع بها كذا ، فالآلة جنس والحديد محل الصورة لا جنس .

              وأبعد منه أن يؤخذ بدل الجنس ما كان موجودا والآن ليس بموجود ، كقولك للرماد : إنه خشب محترق ، وللولد : إنه نطفة مستحيلة ، فإن الحديد موجود في السيف في الحال والنطفة والخشب غير موجودين في الولد والرماد .

              ومن ذلك أن يؤخذ الجزء بدل الجنس كما يقال في حد العشرة : إنها خمسة وخمسة ومن ذلك أن توضع القدرة موضع المقدور كما يقال حد العفيف هو الذي يقوى على اجتناب اللذات الشهوانية وهو فاسد بل هو الذي يترك وإلا فالفاسق يقوى على الترك ولا يترك . ومن ذلك أن يضع اللوازم التي ليست بذاتية بدل الجنس ، كالواحد والموجود إذا أخذته في حد الشمس أو الأرض مثلا .

              ومن ذلك أن يضع النوع مكان الجنس كقولك : الشر هو ظلم الناس ، والظلم نوع من الشر . وأما من جهة الفصل فأن يأخذ اللوازم والعرضيات في الاحتراز بدل الذاتيات وأن لا يورد جميع الفصول . وأما الأمور المشتركة فمن ذلك أن يحد الشيء بما هو أخفى منه كقول القائل حد الحادث ما تتعلق به القدرة .

              ومن ذلك حد الشيء بما هو مساو له في الخفاء ، كقولك : العلم ما يعلم به أو ما يكون الذات به عالما . ومن ذلك أن يعرف الضد بالضد فيقول : حد العلم ما ليس بظن ولا جهل ، وهكذا حتى يحصر الأضداد ، وحد الزوج ما ليس بفرد ، ثم يمكنك أن تقول في حد الفرد : ما ليس بزوج ، فيدور الأمر ولا يحصل له بيان . ومن ذلك أن يأخذ المضاف في حد المضاف وهما متكافئان في الإضافة ، كقول القائل حد الأب من له ابن ، ثم لا يعجز أن يقول حد الابن من له أب ، بل ينبغي أن يقول : الأب حيوان تولد من نطفته حيوان آخر هو من نوعه ، فهو أب من حيث هو كذلك ، ولا يحيل على الابن فإنهما في الجهل والمعرفة يتلازمان . ومن يقول في حد الشمس : إنه كوكب يطلع نهارا ، فيقال وما حد النهار ؟ فيلزمه أن يقول : النهار زمان من طلوع الشمس إلى غروبها ، إن أراد الحد الصحيح ، ولذلك نظائر لا يمكن إحصاؤها .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية