الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              مسألة : أنكر منكرون جواز التعبد بخبر الواحد عقلا فضلا عن وقوعه سمعا

              ، فيقال لهم من أين عرفتم استحالته أبالضرورة ونحن نخالفكم فيه ولا نزاع في الضرورة ؟ أو بدليل ؟ ولا سبيل لهم إلى إثباته لأنه لو كان محالا لكان يستحيل إما لذاته أو لمفسدة تتولد منه ، ولا يستحيل لذاته ولا التفات إلى المفسدة ، ولا نسلم أيضا لو التفتنا إليها ، فلا بد من بيان وجه المفسدة . فإن قيل وجه المفسدة أن يروي الواحد خبرا في سفك دم أو في استحلال بضع وربما يكذب فيظن أن سفك الدم هو بأمر الله تعالى ولا يكون بأمره ، فكيف يجوز الهجوم بالجهل ؟ ومن شككنا في إباحة بضعه وسفك دمه فلا يجوز الهجوم عليه بالشك ، فيقبح من الشارع حوالة الخلق على الجهل واقتحام الباطل بالتوهم ، بل إذا أمر الله [ ص: 117 ] تعالى بأمر فليعرفنا أمره لنكون على بصيرة إما ممتثلون أو مخالفون .

              والجواب : أن هذا السؤال إن صدر ممن ينكر الشرائع فنقول : أي استحالة في أن يقول الله تعالى لعباده إذا طار بكم طائر وظننتموه غرابا فقد أوجبت عليكم كذا وكذا وجعلت ظنكم علامة وجوب العمل كما جعلت زوال الشمس علامة وجوب الصلاة . فيكون نفس الظن علامة الوجوب والظن مدرك بالحس وجوده ، فيكون الوجوب معلوما ، فمن أتى بالواجب عند الظن فقد امتثل قطعا وأصاب .

              فإذا جاز أن يجعل الزوال أو ظن كونه غرابا علامة فلم لا يجوز أن يجعل ظنه علامة ؟ ويقال له : إذا ظننت صدق الراوي والشاهد والحالف فاحكم به ولست متعبدا بمعرفة صدقه ولكن بالعمل عند ظن صدقه وأنت مصيب وممتثل صدق أو كذب ، ولست متعبدا بالعلم بصدقه ولكن بالعمل عند ظنك الذي تحسه من نفسك ، وهذا ما نعتقده في القياس وخبر الواحد والحكم بالشاهد واليمين وغير ذلك .

              وأما إذا صدر هذا من مقر بالشرع فلا يتمكن منه لأنه تعبد بالعمل بالشهادة والحكم والفتوى ومعاينة الكعبة وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فهذه خمسة . ثم الشهادة قد يقطع بها كشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم وشهادة خزيمة بن ثابت حين صدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشهادة موسى وهارون والأنبياء صلوات الله عليهم ، وقد يظن ذلك كشهادة غيرهم .

              ثم ألحق المظنون بالمقطوع به في وجوب العمل ، وكذلك فتوى النبي صلى الله عليه وسلم وحكمه مقطوع به ، وفتوى سائر الأئمة وحكم سائر القضاة مظنون وألحق بالمعلوم والكعبة تعلم قطعا بالعيان وتظن بالاجتهاد ، وعند الظن يجب العمل كما يجب عند المشاهدة ، فكذلك خبر الرسول صلى الله عليه وسلم يجب العمل به عند التواتر . فلم يستحيل أن يلحق المظنون بالمعلوم في وجوب العمل خاصة ومن أراد أن يفرق بين هذه الخمسة في مفسدة أو مصلحة لم يتمكن منه أصلا ؟ فإن قيل : فهل يجوز التعبد بالعمل بخبر الفاسق ؟ قلنا قال قوم يجوز بشرط ظن الصدق .

              وهذا الشرط عندنا فاسد ، بل يجوز أن تجعل حركة الفلك علامة التعبد بالصلاة فحركة لسان الفاسق يجوز أن تجعل علامة ، فتكليف العمل عند وجود الخبر شيء وكون الخبر صدقا أو كذبا شيء آخر .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية