الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              مسألة : إذا نسخ بعض العبادة أو شرطها أو سنة من سننها

              إذا نسخ بعض العبادة أو شرطها أو سنة من سننها

              كما لو أسقطت ركعتان من أربع أو أسقط شرط الطهارة فقد قال قائلون : هو نسخ لأصل العبادة وقال قائلون نسخ الشرط ليس نسخا للأصل أما نسخ البعض فهو نسخ للأصل ولم يسمحوا بتسمية الشرط بعضا ، ومنهم من أطلق ذلك .

              وكشف الغطاء عندنا أن نقول : إذا أوجب أربع ركعات ثم اقتصر على ركعتين فقد نسخ أصل العبادة ; لأن حقيقة النسخ الرفع والتبديل ، ولقد كان حكم الأربع الوجوب فنسخ وجوبها بالكلية ، والركعتان عبادة أخرى لا أنها بعض من الأربعة ، إذ لو كانت بعضا لكان من صلى الصبح أربعا فقد أتى بالواجب وزيادة ، كما لو صلى بتسليمتين وكما لو وجب عليه درهم فتصدق بدرهمين . فإن قيل : إذا رد الأربع إلى ركعة فقد كانت الركعة حكمها أنها غير مجزئة والآن صارت مجزئة ، فهل هذا نسخ آخر مع نسخ الأربع ؟ قلنا : كون الركعة غير مجزئة معناه أن وجودها كعدمها ، وهذا حكم أصلي عقلي ليس من الشرع .

              والنسخ هو رفع ما ثبت بالشرع ، فإذا لم يرد بلفظ النسخ إلا الرفع كيف كان من غير نظر إلى المرفوع فهذا نسخ ، لكنا بينا في حد النسخ خلافه ، وأما إذا أسقطت الطهارة فقد نسخ وجوب الطهارة وبقيت الصلاة واجبة . نعم كان حكم الصلاة بغير طهارة أن لا تجزئ والآن صارت مجزئة ، لكن هذا تغيير لحكم أصلي لا لحكم شرعي ، فإن الصلاة بغير طهارة لم تكن مجزئة ; لأنها لم تكن مأمورا بها شرعا .

              فإن قيل : كانت صحة الصلاة متعلقة بالطهارة فنسخ تعلق صحتها بها شرعا فهو نسخ متعلق بنفس العبادة ، فالصلاة مع الطهارة غير الصلاة مع الحدث كما أن الثلاث غير الأربع ، فليكن هذا نسخا لتلك [ ص: 94 ] الصلاة وإيجابا لغيرها . قلنا : لهذا تخيل قوم أن نسخ شرط العبادة .

              كنسخ البعض ، ولا شك أنه لو أوجب الصلاة مع الحدث لكان لإيجابها مع الطهارة وكانت هذه عبادة أخرى ، أما إذا جوزت الصلاة كيف كانت مع الطهارة وغير الطهارة فقد كانت الصلاة بغير طهارة غير مجزئة لبقائها على الحكم الأصلي إذ لم يؤمر بها فالآن جعلت مجزئة وارتفع الحكم الأصلي ، أما صحة الصلاة وأنها كانت متعلقة بالطهارة فنسخ هذا التعلق نسخ لأصل العبادة أو نسخ لتعلق الصحة ولمعنى الشرطية ؟ هذا فيه نظر والخطب فيه يسير ، فليس يتعلق به كبير فائدة .

              وأما إذا نسخت سنة من سننها لا يتعلق بها الإجزاء كالوقوف على يمين الإمام أو ستر الرأس ، فلا شك أن هذا لا يتعرض للعبادة بالنسخ ، فإذا تبعيض مقدار العبادة نسخ لأصل العبادة ، وتبعيض السنة لا يتعرض للعبادة ، وتبعيض الشرط فيه نظر وإذا حقق كان إلحاقه بتبعيض قدر العبادة أولى .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية