الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ 4 ] الشذوذ الجنسي وأسبابه

يشمل الشذوذ الجنسي مظاهر كثيرة، وقد انتشر في المجتمعات الغربية حيث وجد حماية دستورية واعترافا في قوانين بعض البلاد. كما أنشأ المصابون به اتحادات دولية، يجتمعون فيها، ويقيمون المؤتمرات التي يقدمون فيها بحوثا عن مشكلاتهم الخاصة (!! ) ويمثل هـذا المرض ظاهرة من ظواهر تفسخ الحضارة الغربية، وأفول شمسها وإفلاسها. [ ص: 99 ] وقد بدأت بعض مظاهره تنتشر أيضا في المجتمعات الإسلامية في صورتها العلنية، ويمكن إرجاع أسبابه إلى:

1- غياب التربية القائمة على الفهم الصحيح المرن للإسلام، والبعيد عن مظاهر الكبت، والقهر، والاضطهاد، والإحباط، وتحريم كل أنواع العلاقات الإنسانية - مما لم يحرمها الدين - بين الرجال والنساء بصرف النظر عن نوعها، ودرجتها، وطريقتها، مما يربي في الجنسين حساسية العلاقة بالجنس الآخر، واستبشاع أي شيء له علاقة به.

2- نوعية الرفاق الذين يمثلون الأصدقاء والصديقات، وبخاصة إذا تباينت الأعمار، واختلفت البيئات والثقافات، وعاش الجميع في فراغ روحي، واجتماعي.

3- عدم توجيه الأولاد والبنات إلى وظيفة الجنس في الحياة، والأساليب المشروعة لتلبية الغريزة الجنسية، والحكمة في تحريم العلاقات الجنسية بغير الطرق المشروعة، وحكم الشرع في عمليات الشذوذ، وتعارضها مع الحياة الطبيعية للإنسان.

4- عدم الاهتمام بتلبية حاجات الجنسين ومطالبهم، وحرمانهم من أن يشبعوا ما في نفوسهم من حاجة إلى شراء ما يحتاجونه مما يناسبهم، وأن يكون لهم كيان اقتصادي يحسون به، لأن هـذا الحرمان كثيرا ما يؤدي إلى الانحراف، إما لإحساسهم بأن هـذا هـو المجال الذي يتصرفون فيه بحرية، أو لحاجتهم إلى المال مما يحتم على الآباء والمربين أن يعلموا أبناءهم بإمكانية تلبية رغباتهم المادية بتوسط واعتدال. [ ص: 100 ] 5- عدم مراقبة الآباء لأبنائهم في تصرفاتهم وسلوكهم، إضافة إلى الإهمال وعدم المبالاة، والتطرف في إطلاق الحرية لهم، أو التعنت في كبتهم ومنعهم من كل شيء، فلو كان الآباء يوازنون بين الإفراط والتفريط في الحريات، ويصحبونهم في بعض مناشطهم، ويحسنون توجيههم في اختيار أصدقائهم، ويجعلون منهم أصدقاء مسئولين ومحترمين، ولرأيهم مكانة وتقديرا؛ لو حصل ذلك كله لما كان للانحراف سبيل إليهم.

6- عدم تبيان ما يترتب على الفاحشة في الدنيا من أمراض جسمية، ونفسية، وصحية، وردود أفعال على ممارسة الحياة الطبيعية؛ إلى جانب ما في الحياة الأخرى من عقاب عند الله، وغضب منه، ثم الحكم الشرعي المترتب على ممارسة الشذوذ الجنسي، ومدى استبشاع الشرع والمجتمع له.

الحكم الشرعي

لا شك في حرمة الشذوذ لأنه من الفواحش التي نهى الله عنها، وعن الاقتراب منها، فإذا كان الزنا حراما لأنه علاقة غير شرعية بين رجل وامرأة، فإن العلاقة بين رجلين أو امرأتين جنسيا أبشع من ذلك، وقد استنكر القرآن ذلك مصورا بشاعة جرمه:

( أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون ) [الشعراء: 165-166 ]، [ ص: 101 ] ويقول القرآن أيضا ( ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر ) [العنكبوت:28-29]، ( إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ) [الأعراف: 80-81 ].

وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم كما أشرنا في أحاديث متعددة من عمل عمل قوم لوط، وكأنه يحذر الأمة أن تنتشر تلك الأمراض فيها.

آثار الشذوذ على المجتمع

لا يشك أحد في أن الشذوذ من أشنع الآفات التي تحط من قدر الإنسان، وآدميته، والمجتمع وتماسكه واعتداله لما يأتي من الآثار:

1- الخروج على الفطرة التي فطر الناس عليها؛ حتى المخلوقات التي تمارس الجنس بين الذكور والإناث، والاعتداء على الطبيعة، ومخالفة الشرع، وأعراف المخلوقات من حيوان وإنسان، فقد روي عن الوليد بن عبد الملك في استبشاع هـذا الفعل ومناقضته لفطرة الإنسان أنه عندما قرأ قول الله تعالى: ( ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) والآية التي بعدها قال: لولا أن الله عز وجل قص علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا..

2- ضعف الأمة، وانقراض نسلها نتيجة استغناء ا لرجال عن النساء، واتجاه النساء إلى الفوضى في العلاقات الجنسية، وما يترتب على ذلك كله من آثار اجتماعية في ضعف العلاقات الأسرية بل الاستغناء [ ص: 102 ] عنها وتفكك المجتمع، وقد عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن أن أخوف ما يخافه على أمته أن يعملون عمل قوم لوط، لأن المعروف أن حفظ النوع من المقاصد الأساسية للشريعة، وهذا العمل مناقض له.

3- انحراف الفطرة في المجتمع؛ حيث يستغني الجنس عن الآخر بنوعه، وينصرف الشباب عن الزواج والنسل، كما أن ا لمتزوج يقصر في إحصان زوجه؛ بل قد ينصرف عنها وعن أولاده؛ فيهملهم ولا يهتم بمسئولياته نحوهم من القوامة والإنفاق والتوجيه والتعليم، فتضعف بذلك روابط الأسرة، ويزين الناس الفساد بعضهم لبعض فيتجه الجميع إلى ذلك، فيصبح انحراف الفطرة سمة من سمات المجتمع، كما حكى القرآن الكريم عن قوم لوط:

( أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون ) [الشعراء: 165:166 ].

4- إفساد الناشئة من الصغار والأحداث الذين لا يعرفون مدى الجرم الواقع من هـذه الرذيلة؛ حيث يغويهم المرضى من الكبار فإذا ما أصبحوا رجالا أصبحت الرذيلة عادة فيهم ومرضا متحكما، وخلقا ذميما لا يستطيعون منه فكاكا، ومرضا مزمنا ينزع عنهم الحياء والرجولة وما يتعلق بهما من صفات وأخلاق، ثم لا تلبث الضحية التي وقعت في الغواية أن تكرر التجربة مع الأحداث الصغار بدافع الانتقام من المجتمع، وفساد الفطرة، ونشر الفساد بين الناس حتى لا يكون ذلك الشخص الضحية وحده الموسوم في المجتمع بالانحراف، ومثل هـذا يتحمل وزرين: وزر العمل الشائن المستقبح؛ ثم وزر الإفساد للآخرين ودفعهم إليه كرها [ ص: 103 ] وطوعا حتى تعم الظاهرة في المجتمع الذي يفقد بذلك مقومات استمراره وبقائه، وحضارته وقوته.

التالي السابق


الخدمات العلمية