الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مشكلات الشباب (الحلول المطروحة .. والحل الإسلامي)

الدكتور / عباس محجوب

الفصل الثاني: التربية الجنسية للشباب المسلم [ ص: 81 ]

[ 1 ] هـل يجيز الإسلام تدريس التربية الجنسية ؟ [1]

سؤال وجهه لي أحد الطلاب في إحدى المحاضرات، فقلت له: إن الله سبحانه وتعالى طلب منا أن نتدبر كتابه، وأن نفتح قلوبنا وأبصارنا في تدبر هـذا الكتاب المقدس؛ للعمل بما فيه من أحكام شرعية وعلاقات اجتماعية، ولم يترك القرآن أمرا من أمور الجنس دون أن يبين حكم الله فيه، فالطفل المسلم الناشئ عندما يقرأ القرآن، ويرى في صفات المؤمنين أنهم يحفظون فروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، يتساءل عن مدلول " الفرج " كما يتساءل عن كثير من الكلمات مثل: " الحيض " و " النفاس " و " النطفة " و " الزنا " و " الفاحشة " وغيرها، كما يسأل الأطفال آباءهم دائما عن الكيفية التي جاءوا بها إلى الحياة، وكثير من الأسئلة التي تجعل الكبار يتحرجون من جرأة الصغار، فيقابلهم بعضهم بالزجر والعنف، بينما يحول بعضهم مجرى الحديث.

ونحن إذا تأملنا آيات القرآن الكريم، وتوجيهات السنة النبوية نجدها تعالج مشكلات الجنس بصراحة ووضوح، مما يدعو المربين إلى أن يتعاملوا مع الواقع بذكاء، وأن يعطوا المعلومات الصحيحة بمناسباتها. فالقرآن يعلمنا كيفية التعبير عن هـذه المسائل بالإكثار من استعمال الكناية والرمز خاصة في التعبير عن الاتصال الجنسي حيث رمز له بأسماء مختلفة تهدف إلى معان ومدلولات أبعد من المعاني اللفظية للكلمات، بينما يحدد ويذكر بعض الأشياء بأسمائها، إما لتحديد الحكم فيها، مثل [ ص: 83 ] قوله تعالى :

( ويسألونك عن المحيض قل هـو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض. ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ) [البقرة: 222] أو لتوضيح الحكم مع استبشاع الفعل بذكره: ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) [النور:2 ]، أو الجمع بين الرمز والتوضيح، كما في قوله تعالى:

( ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ) [الأعراف: 80-81].

ولولا أن مسئولية الآباء والمربين أن يتلمسوا الوسائل التي يبينون بها لطلابهم وأبنائهم هـذا الذي يقرءون في القرآن لما تناولها القرآن بذلك الأدب الرفيع، ولم يعرف جيل الصحابة الحياء في الدين، يسألون في الجنس حماية لدينهم، وتربية لغيرهم، لذلك أشادت السيدة عائشة رضي الله عنها بنساء الأنصار، طالبة الرحمة لهن، لأن الحياء لم يمنعهن من التفقه في الدين.

وكيف للطفل المقبل على الرجولة والبلوغ أن يتعلم كيفية التصرف في حياته الجديدة ومشكلاته دون أن يوضح له ذلك منهجيا بالأساليب العلمية، ودراسة الكائنات وتكاثرها وطرق التكاثر؟ وكيف يتصرف البالغ وهو يرى آثار الرجولة في جسمه ونفسه وصوته وحركته؟ وكذلك الفتاة التي تبلغ سن الحيض ولا تجد تعليلا لذلك؟ ولأن أحكام الطهارة والعبادات مرتبطة بمعرفة هـذه الأمور كان تدريسها وتوضيحها من [ ص: 84 ] مسئوليات الآباء والمربين. وقد سألني شاب عربي في أحد مؤتمرات الطلبة المسلمين في بريطانيا عن حكم الصلوات التي صلاها سنين عديدة، وهو يحتلم ولا يعرف أن الغسل واجب عليه، لأنه لم يجد أحدا يوضح له ما يترتب على الاحتلام من حكم. ومثل هـذا كثير بين الفتيان والفتيات الذين لم يدرسوا الأحكام الشرعية المتعلقة بمسائل الجنس من حيض واحتلام وجنابة، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل عن الإنزال والبلل يجده الرجل أو المرأة في النوم، فيبين الحكم، وقد تناولت كتب الفقه تفصيلات دقيقة حول هـذه الأمور، ووضح الفقهاء الأحكام الشرعية المتعلقة بها، كما بينوا جميع الحالات التي تستوجب الغسل، بل وضحوا الكيفية لبعض المسائل في موجبات الغسل.

إن الإسلام ينظر إلى غريزة الجنس كما ينظر إلى الغرائز التي أودعها الله في الإنسان لإقامة الحياة وتعمير الأرض، وتحقيق سر الخلافة فيها، وهو لا يدعو إلى الرهبانية والدعاوى الكاذبة في معاداة الجنس واحتقاره ونبذه، كما أنه لا ينظر إليه باعتباره موجها لأساس السلوك البشري، ومفسرا لحركة الإنسان في الأرض، كما نظر إليه " فرويد " ومن آمنوا بنظريته من بعض أساتذة الجامعات في البلاد الإسلامية، وإذا كان " فرويد " معذورا بعض الشيء في تعظيمه لأثر الغريزة الجنسية في الحياة؛ وذلك لتأثير المفهومات الدينية المحرفة لليهودية، ولطبيعة اليهود في توجيه البشرية إلى الانحراف والدمار وفوضى الجنس لسهولة السيطرة عليهم - إذا كان ذلك كذلك - فما السبب الذي يدعو كثيرا من علماء النفس الذين يترجمون أقوال الغربيين حرفيا أن يبثوا تلك الأفكار بين الشباب في أروقة الجامعات والمعاهد ووسائل التوجيه والإعلام؟

إن كثيرا من العلماء في الغرب واجهوا نظرية " فرويد " وأثبتوا أن [ ص: 85 ] غريزة الجنس كغيرها من الغرائز تبحث عن وسيلتها للتعبير، وأن عدم إشباع تلك الغريزة لا يترتب عليه أي ضرر محس للإنسان في جسمه أو عقله، وشواهد الحياة في ذلك كثيرة، إذ أن كثيرا من المشهورين والناجحين في الحياة والعباد عاشوا في الحياة مفيدين ومنتجين دون أن يمارسوا الجنس أو تنقص حياتهم بدونه.

إن الإسلام كما ذكرنا ينظر إلى الجنس ككل طاقة حيوية في كيان الإنسان - خلقه الله ليعمل، ورتب له، وهيأ له من المشاعر والأفكار داخل النفس ما يوائم ويواكب الطاقة الجسدية، ليسيروا معا متوازنين، متلاقين كما يحدث في كل المسائل الحيوية الأخرى، رتب له وهيأ له في منهجه المنزل من التنظيمات والتوجيهات والتشريعات ما يحقق أهدافه في أسلم وضع، وأنظف وضع؛ كطريقة الإسلام في كل شيء.

ليست إذن مشاعر الجنس وأفكاره بدعا بين المشاعر والأفكار، وليست خصائص الجنس الجسدية بدعا بين العمليات الحيوية التي يقوم بها الإنسان من طعام وشراب وإفراز... وغيرها.

ومن هـنا لا يضع الإسلام حاجزا نفسيا خاصا أمام الجنس غير ما يضعه لغيره من ألوان النشاط البشري، لا في طريقة الحديث عنه، ولا فيما يصرح به منه أو يمنع.. أي: بعبارة أخرى، ليس الجنس في ذاته موضوعا " محرما " في الإسلام، ولا يمارس الإسلام أي لون من ألوان " الكبت " فيما يتعلق بالجنس [2] ، فالإسلام يعتبره نشاطا من النشاطات التي يمارسها الإنسان لتحقيق سر وجوده في الأرض وتعميرها لأن في ذلك استجابة لحاجات فطرية في الإنسان، والذي يمنعه الإسلام هـو ممارسة [ ص: 86 ] هذه الحاجة بالطرق التي لا تميز إنسانية الإنسان، وتؤدي إلى خلل في النظام الاجتماعي، وفوضى في الأنساب، وكما نظم الإسلام شؤون الحياة، وسلوك الأفراد الشخصية، نظم حاجة الإنسان إلى الجنس، ووضع له ما يجعله حلالا طيبا، وحذر مما يجعله فاحشة وسبيلا سيئا، بل إن الإسلام لم يوافق الذين يتحرجون منه تدينا وورعا، لذلك أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أنه أكثرهم خشية الله وتقوى وعبادة، والزواج سنته، فمن تركها فقد ترك سنته.

التالي السابق


الخدمات العلمية