الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مشكلات الشباب (الحلول المطروحة .. والحل الإسلامي)

الدكتور / عباس محجوب

سادسا : افتقاد التربية على المسئولية

إن تربية الشباب على المسئولية من أول واجبات البيت والمدرسة والمجتمع؛ لأن الفرد المسلم إنسان مسئول بكل ما لهذه الكلمة من معان، وعلى أساس هـذه المسئولية كانت تكاليف الحياة على الإنسان، ثم الجزاء على نتائج الأعمال؛ وفترة الشباب فترة يتطلع فيها الشاب إلى تحمل مسئولياته في الحياة، وإثبات وجوده ومقدرته ليقدم عملا نافعا لأمته، وليكتسب خبرة أكبر في حياته، لذلك كان لزاما على وسائل التوجيه في المجتمع أن تربي الشباب على المعاناة والمجاهدة؛ حتى يكون مستعدا لمواجهة الظروف المتقلبة، والأخطار الممكنة، والمشكلات الناجمة عن حركة الحياة ومدافعاتها. فالمسئولية - كقيمة إنسانية - هـي التي ترتفع بالشباب من عالم الغرائز والدوافع الدنيوية إلى عالم المثاليات، وهي التي ترتفع بالواقع الإنساني لمستوى الإنسانية، وهي التي تجعل الشباب ملتزما بكلمته، موفيا لعهوده ومواثيقه، وهي التي تعلم الشباب بناء العلاقات الفردية والاجتماعية على أسس من الأخلاق السامية والمثل النبيلة. والمسئولية التي يربى الشباب عليها هـي التي تشمل الحياة كلها، والنشاط الإنساني كله،وأعظمها: مسئوليته أمام ربه الذي أوجده لهدف، وسخر الحياة له لغاية، ثم مسئولياته إزاء مجتمعه وأسرته ونفسه والحياة عامة. ولكي يمارس الشباب مسئولياته في الحياة فلا بد بعد التربية النظرية أن يعطى فرصة الممارسة في الحياة، وأن توكل إليه المهام التي تصقل [ ص: 62 ] تجربته وتثري خبرته، وليس ذلك في مجال العمل الذي يتكسب منه الرزق، ولا مجال الأسرة والزواج والنسل، ولا في مجال الأعمال التي لا تحتاج إلى جهد عقلي وفكري وجسمي، وإنما فوق ذلك في مجال المسئوليات الخطيرة المتعلقة بمصير الأمة، وفي مجال القيادة التي تقوم على الجهد والمعاناة والمثابرة، ولنا في الرسول قائد البشرية صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في ذلك كله، فقد اختار صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضي الله عنهما وهو في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة ليقود جيشا، جنوده من كبار الصحابة، ثم يأتيه خليفة المسلمين بعد وفاته صلى الله عليه وسلم يستأذنه أن يبقي معه سيدنا عمر رضي الله عنهما ، وهذه السن هـي التي يقضيها الشاب في مجتمعاتنا بين الثانوية والجامعة خلوا من المسئوليات، لاهيا عابثا يحرق نفسه وراء شهواته ونوازع نفسه، وكان محمد بن القاسم الثقفي رحمه الله قائدا في مثل سن أسامة وهو يفتح البلاد ويصل إلى حدود الصين . إن إحساس الشباب بمسئولياته في الحياة يستمده من تربيته، ومن الفرص التي تتاح له، والمسئوليات التي تناط به حتى يحس للحياة طعما، وللمعاناة في سبيل الواجب متعة، وحتى لا يعيش عالة على المجتمع،معطلا سيره، معيقا نموه. إن علماء التربية والاجتماع والدعاة جميعا يؤكدون على وظيفة المدرسة والمسجد في تربية الناشئة على المسئولية وقوة الإحساس بها، وعلى أن يكون ذلك ضمن المنهج والأهداف والأنشطة، ويتفقون على كثير من الوسائل المؤدية إلى ذلك، غير أن النظام الاجتماعي للمجتمعات هـو الذي يؤثر في وظائف المدرسة، ويعرضها لظروف ومشكلات معقدة، ومع ذلك فإن المدرسة يمكن أن تتغلب على كثير من تلك المشكلات. [ ص: 63 ] فالمدرسة هـي المؤسسة العلمية المتخصصة في تكوين الناشئة والشباب، وتنمية جوانب شخصياتهم على أساس من الخلق والدين، لأنه مع تعدد المؤسسات المشاركة في ذلك فإن المجتمع جعل للمدرسة السلطة التربوية الأولى في تربية الأخلاق، وتنمية الإحساس بالمسئولية على نطاق الفرد ثم الجماعة، ولعل المشكلة التي تواجه مؤسساتنا التربوية ترجع - كما يقول أحد الباحثين - إلى: " أن المدرسة في مجتمعاتنا اتجهت تدريجيا إلى الحياد الأخلاقي والاجتماعي، تمشيا مع الضغوط الخافية والفعالة التي أثرت في الفكر التربوي العربي الحديث من الفكر التربوي الغربي؛ الذي نجح في جعل المدرسة مؤسسة محايدة أخلاقيا واجتماعيا، تبعا لحيادها الديني، أو على الأصح حيادها الطائفي هـناك، وتأسست مدارسنا، بصفة عامة، بذلك الأنموذج التربوي الغربي، وساندها فكر عربي تربوي تأثر دون تمام وعي بذلك الاتجاه بعينه من الفكر التربوي الغربي، وكان من نتائج هـذا الحياد أو العزل أو الانعزال الأخلاقي، والاجتماعي، والديني في مدارسنا أن تناقص كل اهتمام بهذه الجوانب الثلاثة " [1] .

إن المجتمعات العربية تعرضت في الحقبة الأخيرة إلى تحولات وتبدلات اجتماعية، واقتصادية، وسياسية كبيرة، وتبعا لذلك شمل التغيير مؤسساتها الموجهة والمخططة، ولا يشك اثنان في أن هـذه التحولات الضخمة انعكست على حياة الإنسان العربي، وفكره، وسلوكه، غير أن التبدل في حياة الأفراد والجماعة، لم يكن في مستوى ضخامة التغيير وسرعته في جانبه المعنوي والمعرفي والسلوكي في اتجاه ما هـو مرغوب ومطلوب، ولم يكن أيضا متوازنا بما يحقق مستوى أعلى [ ص: 64 ] في الخلق، والفكر، والكفاءة، وتغيير المعايير نحو العمل المرتبط بالجهد المطور والمبتكر، ولا يدعو ذلك كله إلى الدهشة لأن التحولات الاقتصادية والتغييرات السياسية قد تحدث بعيدا عن المكونات الأساسية في عمليات التغيير، لأن تغيير الإنسان يتم وفق معتقداته وأخلاقيات دينه، ووفق نظام تربوي محكم، يهتم بالإنسان قيمة غالية مكرمة في الحياة.

ولذلك رأينا أن التبدلات التي حصلت في المجتمعات، كانت لها نتائج سلبية تمثلت في ضعف الإحساس بالمسئولية لدى الشباب، ووهن الارتباط بالجماعة، والابتعاد عن الأعمال الذهنية والجسمية الشاقة باعتبارهما قيمتين أساسيتين في بناء الحياة ونمائها.

تعدد الوسائل التي توجه الناشئة على القيام بمسئولياتهم ومعرفتها والارتباط بها مدى الحياة، لأن المسلم يمكن أن يعرف بأنه " إنسان مسئول " بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) لشمول هـذا الحديث لقطاعات الحياة كلها حكاما ورجالا ونساء وأفرادا، ولحركة الحياة كلها؛ والمدرسة أهم هـذه الوسائل.

إن الإحساس بالمسئولية من الأمور الفطرية والمكتسبة. فهو في جانبه الفطري " صفة يستمدها كل امرئ من فطرته الإنسانية قبل أن يتلقاها من واضعي الشرائع والقوانين، وهي، كما قلنا، صفة لازمة للإنسان بما أنه ذو عقل، وإرادة واقتدار " [2] وهو في جانبه المكتسب نتاج المؤثرات الاجتماعية والتربوية التي أثرت في تكوين الشخص ونموه. ولذلك كان واجب التربية العمل باتجاهين: [ ص: 65 ] (أ ) اتجاه نظري يتمثل في الدراسات والعلوم التي توسع مدارك الطلاب واهتماماتهم بمجتمعاتهم وتاريخهم وتراثهم بما يعمق العلاقة العاطفية بين الفرد والجماعة التي ينتمي إليها؛ حتى يحس بأنه يمثل نبض الجماعة وروحها، ويحس بأنه إنسان مفيد لمجتمعه، مؤثر فيه متأثر به. وهذا الإحساس يحتاج إلى ما يترجمه في الواقع من قبوله لتكاليف الحياة ومسئولياتها وفي مقدمتها التكاليف الإلهية، ثم الاجتماعية، ثم العمل بهذه التكاليف؛ لأن العمل مشاركة إيجابية للمجتمع الذي يحتاج إلى الإنسان المسئول. إن تنمية هـذا الإحساس في جانبه النظري مسئولية المدرسة باعتبارها المؤسسة التي كلفها المجتمع بذلك.

(ب ) اتجاه عملي تجسد فيه المدرسة نظرياتها في نشاطات تربوية حيث يعمل الفرد في جماعة تحدد فيها الوظائف والمسئوليات، ويشعر فيها بقيمة انتمائه وتقديره من خلال ما يناط به من مسئوليات.

التالي السابق


الخدمات العلمية