الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مشكلات الشباب (الحلول المطروحة .. والحل الإسلامي)

الدكتور / عباس محجوب

خامسا : اضطراب المفاهيم فى قضايا المرأة

تحتل القضايا المسماة بـ " قضية " المرأة حيزا كبيرا من تفكيرنا وجهدنا ونشاطاتنا الثقافية والاجتماعية، والمرأة بالنسبة للشاب هـي: الأم، والأخت، والبنت، والزوجة، وقد نشأ الشاب ورأى المرأة ملتزمة بتعاليم دينها، وتقاليد مجتمعتها قبل أن تتعرض المجتمعات للمتغيرات التي تعرض العالم لها في ظل الحضارة المعاصرة بعطائها وإنتاجها، والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي غير أنماط الحياة ووسائلها، وأدوات الحضارة ومتطلباتها.

ويقتضي الإنصاف أن نقرر أن لكل إنسان الحق في مناقشة قضية المرأة، ولكن ليس لأحد الحق أن يناقش القضية خارج الأطر العلمية التي تعطي المناقشة قيمة، وتجعل لها هـدفا، وتنطلق من المسلمات الأساسية التي تعالج من خلالها القضايا الاجتماعية وفق ثقافة الأمة، ومكوناتها الأصلية، وأهدافها في الحياة.

إن كثيرا من الناس يريدون من المرأة أن تكون مقلدا للمرأة الأوروبية التي اضطهدت الحضارة المادية ذاتيتها وإنسانيتها، وجعلتها وسيلة للدعايات الإعلامية، وأفلام الجنس الشاذة، فإذا كانت المرأة هـناك مضطرة للعمل لتعيش، فليست هـذه قضية النساء في الدنيا كلها، ثم إن الدعوة إلى الحرية والمساواة والحقوق والاختلاط كلها دعوات غامضة لتباين أهداف المنادين بذلك والمناصرين له، ولعل بحوث المؤتمرات التي تعالج قضايا المرأة تكشف عن التناقض بين الآراء، وسطحية المعالجات القائمة على الحماس، والاندفاع، والأفكار النظرية. [ ص: 57 ] إن الشباب في حيرة مما يراد بالمرأة ومما هـو مطلوب منها، هـل هـو مع السفور الذي ينافي طبيعة تكوينه وتربيته، أم مع الحجاب الذي يصمه بالشرقية والتخلف؟ أهو مع الاختلاط الذي يعيش فيه خارج بلده، أم مع المشاركة العادية التي نشأ عليها؟ أهو مع الزواج المبكر لتحصين نفسه، أم مع الهوى والشهوة المحرمة؟ هـل مكان المرأة في البيت، أم في المكاتب والأندية؟ هـذه الأسئلة كلها وغيرها تجعل الشاب يعيش في حيرة واضطراب، وتمزق وتشرد. إن القضية لا تعدو أن تكون مرتبطة بالأهواء المختلفة، والتقليد الأعمى، والاستجابة لاستفزاز كلمات: التخلف والتقدم، والرجعية والتقدمية، وهي لا تعدو أن تكون مراهقة فكرية تطول مع بعضهم، وتعشش في أذهانهم وعقولهم حتى تكون قضيتهم الأولى في الحياة، وجهادهم الأبدي فيها. إن الدعوة إلى جعل المرأة " قضية " تأخذ صورة القضايا الأزلية الثابتة مرتبطة بتاريخ البلاد الإسلامية، ومرتبطة بالغزو الحضاري والفكري للقيم والثوابت في المجتمعات الإسلامية، والتي جعل الإعلام الموجه داعية لها، ومعمقا لجذورها، وذلك ما ذكره الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله عندما تناول دور الصحافة في نشر صور الجمعيات النسائية والأزياء وأخبار النشاط النسوي، وما عرض في ذلك من المقالات التي نشرت في " السياسة الأسبوعية " عن المرأة التركية، التي تساير الموضة وترقص وتدخن وتسافر بدون محرم، وما نشر في " المقتطف " وغيرها من دور الصحافة للعمل على تغيير اتجاهات الرأي العام نحو خروج المرأة وتحررها، وتبديل القيم الاجتماعية والأخلاقية [ ص: 58 ] بقيم الحضارة الغربية وأخلاقياتها، وقد كان التيار كما يقول الدكتور حسين قويا وجارفا بحيث عجز المحافظون أن يقفوا في وجهه [1] ، بل استطاع المحتلون أن يحاربوا الصحافة الإسلامية التي أرادت مواجهة ذلك مثل: " العروة الوثقى " ، و " المؤيد " ، و " اللواء [2] . وكان لكتابي " قاسم أمين " اللذين أصدرا متواليين في عامي 1899م و1900 م الأثر الكبير في تحقيق أهداف المحتلين من استبدال قيم الغرب وتعاليمه ونظرته للمرأة ودورها، بقيم وتعاليم الحضارة الإسلامية، وقد سوغ الدكتور محمد محمد حسين موقف قاسم أمين في أن دعوته كانت للحجاب كما جاء به الإسلام، لا ما تعارف عليه الناس آنذاك بالمبالغة فيه وحرمان المرأة من التعليم، وأن " قاسم أمين " لم يدع إلى الاختلاط ولبس اللباس الغربي وما إلى ذلك، ولكنه يحمله وزر فتح هـذا الباب [3] . إن مسئولية قاسم أمين فيما نرى أكبر من مجرد فتح الباب، لأن آثار دعوته لا تزال سبب كثير من الاضطراب في تناول هـذه القضية، بل لا تزال سبب كثير من الحيرة والقلق في حياة الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم الذي فتن فتنة يعجز عن ردها ومقاومتها إلى يومنا هـذا، وهذا ما عبر عنه المؤلف بقوله: " وكان تيار الحياة يكتسح المعارضين أنفسهم، إذ يصبحون وقد أحاط بهم ما يكرهون وما يحاربون، في أشخاص بناتهم وزوجاتهم وأخواتهم، حتى بدا التناقض واضحا بين [ ص: 59 ] ما يقولون، وبين ما يجري في بيوتهم [4] .

إن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن الفترة التي ظهرت فيها الدعوة إلى تحرير المرأة وما تلاها كانت فترة اضطهاد وظلم للمرأة، وكان هـذا الظلم واقعا باسم الإسلام وتعاليمه، الأمر الذي أدى إلى تجاوز الأمور لحدود الله، وليس ذلك ذنب الإسلام، وإنما هـو عيب المسلمين الذين جهلوا وضع المرأة في الإسلام وواجباتها وحقوقها، وكان ظلم الواقع على الإسلام في جانب المرأة جزءا من الظلم الذي وقع عليه في إنكار نظامه السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، وصلاحيته لتنظيم البشر وتوجيهه علميا وحضاريا بما يصلح دينهم ويعمر دنياهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية