الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
(أ) الغزو المرتبط بالاحتلال

وهو غزو حضاري وثقافي وعسكري عم العالم الإسلامي، ونقل المجتمعات الإسلامية من حياة تنظمها أعراف الدين وقوانين الشريعة [ ص: 40 ] الإسلامية، إلى حياة أبعدت سلطان الشرع وأبعدت الإسلام بتربيته وتعاليمه ونظامه من حياة المسلمين، ثم ركزت على تشكيك المسلمين في عقيدتهم وشريعتهم، فانتشرت الفوضى باسم الحريات الشخصية، وأبيح الزنا بتنظيم وقانون، وبيعت الخمر في الأماكن العامة والخاصة، وأذن بالقمار وصالاته، وبني الاقتصاد على أساس ربوي، فكانت الفوضى في الأخلاق والجنس، وضعف الارتباط الأسري. والناظر إلى قانون العقوبات في بعض البلاد الإسلامية - يجد إباحة القانون للزنا ما دام برغبة الطرفين، وأن الزوجة الزانية تحاكم بالسجن ما لم يكن برضا زوجها، بل من حق الزوج إيقاف العقوبة إذا وافقها على ما ارتكبت من جريمة الزنا؛ وأصبحت الدعارة في بعض البلاد الإسلامية منظمة بواسطة البلديات، التي تدفع لها العاهرات ضرائب معينة!!، ولكي تنتشر الأمراض القاتلة للشباب لا تطالب العاهرة بالضمانات الصحية، والكشف الطبي والرعاية التي تبذل للعاهرات في أوروبا حتى لا تنتشر الأمراض السرية.

وكذلك الحال بالنسبة لشرب الخمر، فقد أبيح بيعها وتناولها في البارات والأندية والفنادق، ولم يحاسب القانون إلا الذي يثير إزعاجا في الشارع العام، أو الأماكن العامة، ويعاقب بمبلغ تافه لا يساوي شيئا بالقياس لما أنفق في سبيل الخمر، بل إن الدول أصبحت لها مصانع للخمور؛ حتى أصبحت الخمر ظاهرة تحطم النفوس والعقول، وتقدم في الأعراس والمناسبات الرسمية وغيرها.

ولم يكن مبعث هـذا كله غير الحقد الصليبي على المسلمين، وتدمير الأمة المسلمة، في أعز ما تملك، وهو شبابها وقوتها وعقلها، حيث نشأت أجيال في بلاد المسلمين وهي ترى المحرمات بالأدلة القاطعة في [ ص: 41 ] شرع الله مباحة، ومحمية من السلطات الثلاث في الأمة ممثلة بالسلطة القضائية والتنفيذية والتشريعية، بل محمية أيضا من السلطة الرابعة كما يسمونها، وهي : الصحافة؛ التي تقبل الإعلان عنها وعن أماكنها، وتدافع عن كل الموبقات باسم " الحريات الشخصية " . وسلطة القانون، وقد أدى ذلك إلى موت الضمير الديني والغيرة الأخلاقية لدى الكثيرين ممن يرون شرع الله معطلا، ومحارمه منتهكة، ولا تختلج عضلة واحدة في قلوبهم جزعا وخوفا من ذلك.

إن هـذا الغزو بأشكاله ركز على إفراغ الطاقات الروحية في الأمة، والمتمثلة بعقيدتها وقيمها وأخلاقياتها، وإحساسها بالمسئولية والواجب؛ بدعوى أن التأخر الحضاري مرتبط بالتمسك بالدين والأفكار القديمة، وأن التقدم والحضارة في التنكر للعقيدة والقيم البالية، والاقتداء بالنظم السياسية التي تجعل للناس حق وضع القوانين المنظمة لحياتهم دون سلطة خارجية قاهرة.

التالي السابق


الخدمات العلمية