الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مشكلات الشباب (الحلول المطروحة .. والحل الإسلامي)

الدكتور / عباس محجوب

رابعا- ضعف التعليم والثقافة والتخلف العلمي

أما التعليم فإنه لا ينطلق من الأهداف التي تمثل حياة الأمة، ولا يعمق العقيدة التي تقوم حياتهم عليها، ولا يؤدي وظيفته في إيجاد جيل راسخ [ ص: 49 ] الإيمان، مثقف القلب، قابل للتضحية والفداء في سبيل الأهداف والغايات الكبيرة في الحياة، بل إن أهداف التعليم في أي بلد عربي لا تختلف عن الأهداف المرسومة في مناهج أي دولة غربية؛ لأننا لا نستمد أهدافنا من قيمنا، وتراثنا، وما يميزنا، بقدر ما نستمدها مما نترجم من العالم من حولنا.

ثم إن التعليم دائما يعتمد على الجانب الإحصائي في إبراز منجزاته من حيث التطور الكمي وعدد المدارس والمدرسين، والزيادة الرأسية في ميزانيات التعليم، ونسبتها إلى الميزانية العامة، وما إلى ذلك من الشكليات، والمعروف أن الإحصاء هـو شكل لا يدل على المضمون، وأن العبرة في التعليم ليست في النواحي الأمية بل في آثار التعليم وماذا أضاف إلى الإنسان في فكره، وعقله، وتجاربه، وثقافته؟

ماذا نمى التعليم في إمكاناته العقلية والجسمية والعاطفية؟ ما أثر التعليم في تغيير اتجاهات المجتمع نحو ما هـو مطلوب؟ ما هـي التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي أحدثها التعليم؟ ما هـي المجالات التي نجح فيها التعليم، والمجالات التي تعثر فيها؟

ما هـو المردود الاقتصادي للتعليم في سنوات خطة معينة؟

ما هـي الانعكاسات الإيجابية والسلبية للظروف الاجتماعية والاقتصادية على التعليم؟ ما هـي الظواهر التي تعوق مسيرة التربية؟ ما دور المناهج؟ ومامدى مناسبتها تربويا؟ هـذه الأسئلة وغيرها هـي التي يفترض أن تشغل ذهن العاملين في التعليم بدلا من الإحصاءات والتقارير، واللجان، والاجتماعات، وغير ذلك مما يأخذ الجهد والوقت على حساب التعليم.

أما الضعف الثقافي؛ فمع أن التعليم بنظامه ومناهجه التقليدية [ ص: 50 ] والشكلية سبب أساسي فيه، إلا أن البيت العربي عامل أكثر أهمية من المدرسة في ضعف الثقافة العامة؛ حيث إن البيت العربي بمجمله بيت أمي لا يقرأ حتى ولو كان أهله متعلمين، إذ إن عادات القراءة، والتعود عليها، وجعلها جزءا من حياة الإنسان يحتاج إليه كما يحتاج إلى الطعام والشراب أمر مطلوب في عصرنا. ومع أن بعضهم يملكون مكتبات ضخمة في بيوتهم إلا أنها لا تعدو أن تكون جزءا من " ديكور " البيت، ومظهرا تفاخريا ليس أكثر، بل إن المرء يحز في نفسه أن يتناول كتابا من مكتبة عامة، ويكون أول من يفتح أوراقه للقراءة؛ مع بقائه سنوات عدة في المكتبة نفسها، بل إن الأمر يصل إلى الجامعيين وحملة الشهادات فوق الجامعية حينما تحس بضعف ثقافتهم العامة ومحدوديتها، واقتصارهم في العلم على ما ينشر في الصحف والمجلات. والمعروف أن الإنسانية لم تجد بديلا عن الكتاب وسيلة للثقافة الجادة والمعرفة؛ مع ما استحدث الإنسان من وسائل ثقافية عجزت كلها أن تقدم عشر ما يمكن للكتاب أن يقدمه.

ويمكن للأنموذج الذي قدم في رسالة علمية من أحد الباحثين من أبناء الإمارات على الطلاب الخريجين من جامعة الإمارات أن يعطي صورة لعلاقة الطالب بالكتاب في بعض البلدان العربية؛ إذ أثبتت هـذه الدراسة الإحصائية أن (72%) من خريجي الجامعة لم يستعيروا كتابا واحدا من مكتبة الجامعة طوال حياتهم الجامعية [1] ، وليست هـناك كارثة يمكن أن تلم بالشباب أكثر من ذلك، والذي قام بهذه الدراسة الميدانية على عينة من خريجي سبع كليات هـو مدير إدارة المكتبات بالجامعة، وقد أثبت [ ص: 51 ] الباحث إخفاق الجامعات العربية الحديثة في نظام الساعات المكتسبة، حيث إنه يطبق بصورة بعيدة عن تحقيق أهدافه، وأنه يشغل الطالب بالامتحانات الفصلية، ويعتمد فيه على كتب صغيرة أو مذكرات تعطي علما قليلا، والحقيقة أن الذي يطلع على تقسيمات مساقات بعض المواد في دليل الجامعة أو الانتساب يحس بمدى بساطة المناهج المعتمدة على فهارس الكتب المقررة، وقد اقترح الباحث في نهاية رسالته عدة توصيات أهمها:

(1) إجراء دراسة تقويمية شاملة لنظام الساعات المكتسبة أو المعتمدة.

(2 ) إجراء دراسة مقارنة لنظم التعليم في الجامعات العربية للوصول إلى أفضل نظام يمكن تطبيقه في الجامعات الحديثة.

لذلك كله فإن التعليم في العالم المتقدم بمقاييس عصرنا يركز على جانب الثقافة العامة، والتحصيل الذاتي أكثر من المعلومات التي تلقن للطالب في فصول الدراسة، فالطالب في تلك البلاد، وفي المراحل جميعها يذهب إلى المدرسة ويعود منها دون أن يحمل في يده دفترا أو كتابا مقررا؛ إلا كتابا يستعيره من المكتبة العامة في المدرسة، ومع ذلك فإنهم يكتسبون من العلم، والمهارات، والقدرات ما لا يكتسبه الطالب عندنا حتى يترك الدراسة، إذ ليس هـناك نظام يعطل الثقافة، ويحارب العلم أكثر من النظام التعليمي الذي يثقل كاهل الصغار والكبار بالكتب التي يحملونها غدوا ورواحا، والواجبات المنزلية المرهقة لأجساد الصغار وعقولهم، والمحطمة لرغباتهم في العلم والتعلم.

ولعل هـذا هـو الذي جعل مشكلات التعليم كثيرة، مثل: التسرب والتخلف، وجعل الاحترام مفقودا بين الطالب والمعلم.. حتى في المرحلة الابتدائية التي يحس فيها الصغار عادة نحو معلميهم بمشاعر [ ص: 52 ] الرهبة، والخوف، والحب، والإعجاب، بل إن العلاقات تبدلت للدرجة التي يضع فيها المعلم نفسه ندا لطالبه، الأمر الذي يفقده الهيبة التي يجب أن تكون بين الطلاب والمعلمين.

ولا شك أن عوامل مختلفة ومتباينة أدت إلى أن يكون التعليم مجالا لتعلم القراءة والكتابة، والحصول على المؤهل الجامعي ليس هـنا مجاله. أما التخلف العلمي فلا يمكن فصله عن التخلف العام الذي تعاني منه الأمة نتيجة ضعف العلم والاهتمام بجديته، وقلة الثقافة وإهمالها، وكما يقول الشيخ أبو الحسن الندوي [2]

فإن قيمة البلاد لا تقاس بكثرة الجامعات والمعاهد وإنما بكثرة أبنائها الذي يقفون حياتهم للبحث والدراسة، ونشر العلم والثقافة، وتثقيف الأمة والشعب، ورفع معنويات أمتهم، وجعلها أمة ذات قلب، وضمير أبي.

كما تقاس بكثرة الشباب الذين ينقطعون إلى خدمة الدين والعلم والأمة والبلد مع نكران الذات والطموحات الشخصية، كما أن قيمة البلد تقاس بالشباب الذين يتفرغون للعمل الجاد البناء، والإيجابي النافع، والبحث المضني المتصل الذي يتطلب صبرا وتحملا في سبيل الوصول إلى نظرية علمية ذات أهمية؛ بعيدا عن لذائد الحياة الرخيصة والمناصب والجاه والتقدم الشخصي، ومحاولة إبراز الجانب الشخصي على حساب الجوانب الأخرى.

إن المتوقع في التعليم الجامعي أن يتدارك بأساليب مختلفة جوانب القصور في التعليم العام، وذلك بإعداد الشباب الجامعي وتأهيله في السنة الأولى ليكون في المستوى العالمي للتعليم الجامعي، أو في الحد [ ص: 53 ] الأدنى المطلوب منه، إلا أن الشباب يفتقد هـذا الإعداد، كما علمنا، في التعليم العام، ثم في التعليم الجامعي الذي يفترض فيه أن يوسع قاعدة التعليم في ناحيته الأفقية والرأسية؛ إلا أن الضعف أصاب حتى التعليم الجامعي الذي يعتمد على التلقين والنذر اليسير من المعلومات والتفكير في الامتحانات، ونظرة إلى المساقات المطروحة في الجامعات تعطيك فكرة عن ضعفها وجوانب القصور فيها، خاصة في اللغات، حيث يتخرج الطلاب وهم ضعاف في لغتهم الأصلية ثم اللغة الأجنبية، مع أن اللغة الأصلية لكل أمة من مقوماتها الأساسية، وعنوان نهضتها وتقدمها، ولعل نظام المقررات المحددة بالكتب والمذكرات هـو الذي جعل الجامعات كالمدارس الثانوية حيث لا يتعامل الطالب مع المراجع والمصادر؛ بل لا يعرف كيفية استخدامها والإفادة منها، كما أنه يجهل البدايات الأساسية لكتابة بحث صغير، فالبحوث كلها نقول من كتب، وتشويهات للحقائق، وسرقة لأفكار الباحثين والمؤلفين.

والشباب في ذلك كله معذور؛ لأن المسئولية الكبرى تقع على نظام التعليم العام - أهدافه ومناهجه ووسائله وعمليات التقويم فيه - ثم على الأساتذة الذين أرهقتهم كثرة العمل فقبلوا من الطالب ما يأتي به، وتغاضوا عن الكثير مما كان بإمكانهم أن يتداركوه، كما يقع العبء على الإدارة الموجهة للتعليم والمخططة له في المستويات كلها.

ونقطة هـامة في ضعف مستوى التعليم في بلادنا، وهي افتقاد التعليم للمعلم الجيد الذي يحب مهنته ويتقي الله في الأجيال التي يعلمها، فقد كان التعليم في الإسلام مهنة للعلماء والأذكياء والنابهين من أمثال: " الجعد بن أدهم " و " المفضل الضبي " ، و " عبد الله بن المقفع " و " يحيى البرمكي " و " الكسائي " و " الفراء " و " ثعلب " و " المبرد " [ ص: 54 ] و " الكندي " و " الزجاج " و " الزهري " وغيرهم، وكانت ظروفهم الاجتماعية والمالية حسنة، ولهم مكانة وكلمة عند الخلفاء، وكان من علمهم ما وصل إلينا من كتبهم المكتنزة علما، غير أن المعلم في أيامنا هـذه يفتقد الإعداد العلمي الجيد، والمكانة الاجتماعية، والتقدير المادي والأدبي؛ الأمر الذي جعل الطلاب يلجئون إلى التدريس عندما تغلق الطرق الأخرى أمامهم، أو تكون مستوياتهم الدراسية منخفضة، وهذا إن لم يكن عاما فهو يشمل مجموعة كبيرة، وانصرف الأخيار منهم إلى وظائف وسبل أخرى، فكان ذلك كله عاملا من عوامل ضعف التعليم وتدني؛ الثقافة بالإضافة للعوامل الأخرى.

إن الحل يكمن في ثورة تعليمية؛ تصوغ مناهجها من عقيدة الأمة، وتصبغها بصبغة الله، وتضع المناهج ذات الأهداف الصادقة في تربية الشباب؛ وهذا يقتضي الاهتمام بالأمور الآتية:

(1 ) إعادة النظر في أهداف التعليم العربية المقررة في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والمقررة في أهداف دول الجامعة العربية؛ لأنها لا تحقق - بل لا تنص على تحقيق - أهداف الأمة في إيجاد الإنسان الصالح في كل زمان ومكان، ولأنها تكرس النعرة الإقليمية، والمواطنة بمفهومها الضيق، ولأنها ضد الوحدة العربية التي تمثل شعار كل دولة.

(2 ) مراجعة محتويات المناهج الدراسية التي تروج لآراء المستشرقين والصليبيين، وتجعل من آرائهم ونظرياتهم قوانين تبنى عليها حياة المجتمعات ومعالجة مشكلاتها، وكلها تسبح باسم الحضارة الغربية، ولا تخفي الإعجاب بها، مع ما في آرائهم من طعن في الدين، ودعوة إلى مخالفة قيم الإسلام، وتشكيك في معطيات الحضارة الإسلامية وثقافتها. [ ص: 55 ] (3 ) أن توجه المناهج الشباب إلى الاعتزاز بالمقومات الأساسية للأمة والمتمثلة في دينها ولغتها، وثقافتها وتاريخها، بما يقوى علاقة الشباب بتلك المقومات فهما وممارسة، وأداء واعتزازا، وبما ينمي في الشباب الوعي السياسي والاجتماعي، وبما يوجه فيهم مهارات الإتقان، والابتكار، والاستيعاب والفهم في مجالات الحياة المتعددة.

(4 ) أن تعمل المناهج الدراسية لبث روح البحث العلمي الجاد القائم على أسس سليمة، ويتم ذلك بمعرفة الشباب لنظرة الإسلام للعلم والعلماء والمتعلمين، وبغرس حب العلم، والبحث عنه، والاستمتاع بالمعرفة في نفوس الناشئة من خلال المنهج، وبالاطلاع على جهود العلماء وحياتهم وسلوكهم ونتاجهم من خلال ربط الشباب منهجيا بتراثهم الحضاري الغني الواسع باعتبار التراث حصيلة الماضي، وأساس المستقبل، وباعتبار الجانب الإنساني فيه، وعدم استئثار أمة واحدة بتراثها دون غيرها، وهذا يستلزم أن يكون البحث العلمي ظاهرة شبابية يتنافس الشباب فيه ويتسابقون إلى تقديم الجديد، مع استعذاب ما فيه من معاناة، وصبر، ومجاهدة. [ ص: 56 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية