الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ 2 ] نظرة الإسلام للجنس

اهتم الإسلام بالطاقة الجنسية في الإنسان ضمن اهتمامه بالطاقات الحيوية للبشر، ولتعلق الطاقة الجنسية بجسد الإنسان ونفسيته وسلوكه فإن معالجة الأمور الجنسية اتصلت بالإنسان كله: نفسه، وسلوكه، وأخلاقه، وطاقته الجسدية، بالإضافة إلى أن الإسلام عالج مسائل الجنس بصراحة ووضوح في أدب سام رفيع يجعل الجنس نشاطا إنسانيا ساميا إذا وجه للحلال، وعملا حيوانيا ساقطا إذا وجه في الحرام، ولذلك جعل الإسلام الزواج هـو المكان المشروع، والنظام المعروف لتبديد الطاقات الجنسية في الإنسان، والارتفاع بالمجتمع الإنساني بوقايته من الانسياق وراء شهواته بلا وازع، ولا تنظيم، ولا حرمة، ولا قداسة لأن المجتمع الذي يتحكم أفراده في علاقاتهم الجنسية، ويمارسون فيه دوافعهم الفطرية بما يعود على مجتمعهم بالخير ويسمه بميسم النقاء والطهارة والنظافة. [ ص: 87 ]

إن الإسلام يحرم تلبية الحاجات الفطرية للبشر عن طريق المخالطة الجنسية، والفوضى في العلاقات، والتعدي على الأعراض التي لا تستحل إلا بالنكاح الصحيح، ما لم +يتحررن بالوسائل الكثيرة التي وضعها الإسلام، فلذلك جعل الله سبحانه وتعالى ضمن صفات المؤمنين الصالحين الذين أفلحوا، الذين يحفظون فروجهم إلا من أزواجهم، أو ما ملكت أيمانهم، وليس وراء ذلك غير التعدي لحدود الله.

إن الإسلام يهدف في تربيته الجنسية إلى الارتقاء بالإنسان عن طبيعة الفطرة التي فطر عليها والارتفاع به عن مستوى بعض الحيوانات، لأن كثيرا من الحيوانات تعيش حياة جنسية منظمة، وتنفر من الفوضى الجنسية، بل ويغار الذكر منها دائما على الأنثى، فإذا كان الجنس مكشوفا في حياة الأمة، هـابطا عاريا كما في بعض الحيوان، مباحا مبذولا بلا رابط ولا قيد كان هـادما للحياة، مدمرا للمجتمع، منافيا للفطرة التي تنفر من الفوضى الجنسية.. ولذلك حرم الإسلام الزنا، وشدد عقوبة المقترف له، لما لانتشاره من آثار اجتماعية واقتصادية ونفسية سيئة على المجتمع.

إن الحرية في المجتمعات غير الإسلامية، والعلاقات الجنسية التي تمارس في سن مبكرة، والمجاهرة بذلك، ومباركة المجتمعات لذلك باسم الحرية الشخصية أدت إلى إهدار الشباب للقيم الأخلاقية والدين، وأصبح هـمه إشباع شهواته بصخب وجنون، وارتبطت الحرية في مفهومهم بحرية الجسد، والغوص في الجنس، الأمر الذي جعل هـذه المجتمعات تعاني من الفساد الاجتماعي، والتحلل الخلقي، وابتذال كرامة الإنسان، وعزوف كثير من النساء عن الإنجاب، والرجال عن مسئوليات الأبناء، وأصبحت مشاكل المجتمعات أغلبها من الأفراد [ ص: 88 ] الذين ينشئون وهم يجهلون أبويهم، أو يعيشون مع أمهاتهم فقط، وقد « صور هـذا المجتمع الكاتب المعروف " برتراند رسل " في كتابه " مبادئ التجديد الاجتماعي " فقال: " إن قسما صغيرا جدا من المجتمع يؤمن بأن العلاقات الجنسية خارج محيط الزواج أمر ذميم، ولكن هـؤلاء يجهلون سلوك الأصدقاء الذين يشعرون شعورا آخر ويستطيعون أن يسيروا بحياتهم دون أن يلقوا بالا لحياة الآخرين أو أفكارهم، وهناك عدد كبير من النساء اللاتي لو تركت لهن حرية التفكير في شئونهن لما رغبن في إنجاب الأطفال، أو لرغبن في إنجاب طفل واحد حتى يزاولن التجارب التي تأتي معه. وهناك نساء أخريات على قسط كبير من الذكاء والنشاط العقلي، وهؤلاء لا يقبلن العبودية الجسدية التي يضعن فيها أطفالهن، وهناك كذلك نساء طموحات يرغبن في حياة ترتقي بهن إلى المجد، ولا تترك المجال لتربية الطفل، وهناك أخيرا نساء يعشقن المتعة واللهو ويؤثرن إعجاب الرجال بهن، وهؤلاء لا يفكرن في إنجاب الأطفال إلا بعد مضي شبابهن " . »

والفوضى الجنسية في المجتمعات الرأسمالية هـي نفسها في المجتمعات الاشتراكية الشيوعية ، لأن الشيوعية تنظر إلى الجنس من خلال تحطيم المقدسات البرجوازية الموروثة، ومن خلال إزالة الطبقات، ومحاربة الأديان والتقاليد القديمة،والمساواة بين الرجل والمرأة حيث أبيح الجنس، وحدد النسل، وأمكن التخلص من الأجنة، وأطلقوا على السهولة في إمكانية ممارسة الجنس بل على الجنس نفسه " نظرية كأس الماء " ولم يعد هـناك فرق بين الأطفال الشرعيين وغير الشرعيين، ولم يعتبروا الزواج عقدا دينيا بين شخصين،ولا عقدا مدنيا، ولكن مغامرة جنسية بين شخصين ليس بينهما إلزام بارتباط دائم [ ص: 89 ] في الحياة، وأن الطفل يحمل اسمه الأول في حين أن المرأة لا تحمل اسم زوجها كما في الغرب.

إن الشيوعية ترتبط بفكرة تحطيم العلاقات الزوجية والارتباطات الأسرية؛ لأنها ترى في ذلك ضربة مميتة للبرجوازية بأعرافها وتقاليدها الاجتماعية؛ بل أرادوا تعميم المساواة بين الناس ليس في المجال الاقتصادي بل في مجال الجنس أيضا، فدعوا إلى مبدأ المساواة في النشاط الجنسي والمساواة البيولوجية بعد أن كسروا سيطرة الرجل على النشاط الاقتصادي والهيمنة الاقتصادية التي تجعله يكسب لتعيش أسرته.

وقد ظنوا بذلك أنهم سيحطمون نظام الزواج الذي هـو أثر من آثار الرأسمالية ومخلفات البرجوازية (!!) ، ولعلهم قد عانوا من آثار الفوضى الجنسية التي صاحبت الدعوة إلى نظرية " كأس الماء " فقد قال عنها " لينين " : إنها جعلت من الشباب مجانين ومتهورين، وإن آثار النظرية ليست من صالح المجتمع وفيه مناقضة للماركسية .

وقد هـاجم مفكر صيني هـو " لين بوتانج " هـذه النظرية فقال: " يظهر أن الماركسية تهدف إلى القضاء الكامل على غريزة الأبوة، ففي ظل الدولة الماركسية تهاجم العواطف والإخلاص المتبادل بين أفراد العائلة، وتوصف بأنها عواطف برجوازية لا بد من أن تنقرض عندما تتغير الظروف المادية التي تحيط بها، ولست أدري كيف تأتي لـ " كارل ماركس " أن يكون واثقا كل هـذه الثقة من رأيه في هـذه المسألة البيولوجية البحتة، ونحن قد نسلم بحكمة " ماركس " في أمور الاقتصاد، ولكنه بإزاء هـذه المسألة أبله غاية البلاهة، ويمكن لأي تلميذ أمريكي صغير أن يؤكد أن خمسة آلاف سنة زمن قصير جدا لا يكفي لانقراض غريزة تكاملت في مدى لا يقل عن مليون عام " . [ ص: 90 ] ومع اختلافنا مع نظرة الكاتب لغريزة الأمومة التي يعتبرها من المكتسبات، ويعتبرها الإسلام غريزة فطرية فإن الكاتب قد صور خطأ النظرية الماركسية إزاء الجنس والأمومة والعائلة.

وقد عالج القرآن المسائل المتعلقة بالجنس بصراحة وأدب رفيع حتى يتربي المسلم على الأدب العالي واللفظ الموحي حينما يتحدث عن هـذه المسائل، وقد سمى القرآن العلاقة الجنسية وما يتصل بها بمسميات مختلفة فهو يقول مثلا:

( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض )

[النساء: 20-21 ] ويكني عن الجماع أيضا بالملامسة: ( أو لامستم النساء ) كما يكنى عنه وعن مقدماته بالرفث: ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هـن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن ) والمباشرة مثل الملامسة: ( وابتغوا ما كتب الله لكم ) [البقرة:187 ]. من هـذا الحلال الذي تسمو به نفوسكم، وترقى به أرواحكم، وتجدون فيه ما أبيح لكم من لذة ومتعة ثم يتحقق عن طريقه سر من أسرار وجودكم على الأرض.

إن الإسلام لا يحتقر الطاقة الجنسية للإنسان، ولا يطالب المرء بالابتعاد عن الجنس؛ لأن الرغبة الجنسية بالإنسان هـي التي تؤدي إلى تحقيق الوجود البشري في الأرض وتعميرها، والى كثرة التوالد الذي هـو أساس بقاء النوع واستمراره، ولذلك جعل الرسول صلى الله عليه وسلم العلاقة بين الرجل وزوجه صدقة من الصدقات، فقد ( قال عليه الصلاة والسلام: [ ص: 91 ] " وفي بضع أحكم صدقة " . قالوا: يا رسول الله، إن أحدنا ليأتي شهوته ثم يكون عليها أجر؟ قال: " أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ بهذا المعنى قالوا: نعم. قال: " فإذا وضعها في حلال فله عليها أجر ) [رواه مسلم ، وأحمد في مسنده ].

التالي السابق


الخدمات العلمية