الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            ( ن ف ي ) : نفيت الحصى نفيا من باب رمى دفعته عن وجه الأرض فانتفى ونفى بنفسه أي انتفى ثم قيل لكل شيء تدفعه ولا تثبته نفيته فانتفى ونفيت النسب إذا لم تثبته والرجل منفي النسب وقول القائل لولده لست بولدي لا يراد به نفي النسب بل المراد هنا نفي خلق الولد وطبعه الذي تخلق به أبوه فكأنه قال لست على خلقي وطبعي وهذا نقيض قولهم فلان ابن أبيه والمعنى هو على خلقه وطبعه فائدة إذا ورد النفي على شيء موصوف بصفة فإنما يتسلط على تلك الصفة دون متعلقها نحو لا رجل قائم فمعناه لا قيام من رجل ومفهومه وجود ذلك الرجل قالوا ولا يتسلط النفي على الذات الموصوفة لأن الذوات لا تنفى وإنما تنفى متعلقاتها ومن هذا الباب قوله تعالى { إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء } فالمنفي إنما هو صفة محذوفة لأنهم دعوا شيئا محسوسا وهو الأصنام والتقدير من شيء ينفعهم أو يستحق العبادة ونحو ذلك لكن لما انتفت الصفة التي هي الثمرة المقصودة ساغ وقوع النفي على الموصوف لعدم الانتفاع به مجازا واتساعا كقوله تعالى { لا يموت فيها ولا يحيى } أي لا يحيا حياة طيبة ومنه قول الناس لا مال لي أي لا مال كاف أو لا مال يحصل به الغنى ونحو ذلك وكذلك لا زوجة لي أي حسنة وشبهه وهذه الطريقة هي الأكثر في كلامهم ولهم طريقة أخرى معروفة وهي نفي الموصوف فينتفي ذلك الوصف بانتفائه فقولهم لا رجل قائم معناه لا رجل موجود فلا قيام منه قال امرؤ القيس

                                                            على لاحب لا يهتدى بمناره

                                                            أي لا منار فلا هداية به وليس المراد أن لهذه الطريق منارا موجودا وليس يهتدى به .

                                                            وقال الشاعر :

                                                            لا يفزع الأرنب أهوالها     ولا ترى الضب بها ينجحر

                                                            أي لا أرنب فلا يفزعها هول ولا ضب فلا [ ص: 620 ] انجحار وخرج على هذه الطريقة قوله تعالى { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } أي لا شافع فلا شفاعة منه وكذا { بغير عمد ترونها } ) أي لا عمد فلا رؤية وكذا { لا يسألون الناس إلحافا } أي لا سؤال فلا إلحاف وإذا تقدم حرف النفي أول الكلام كان لنفي العموم نحو ما قام القوم فلو كان قد قام بعضهم لم يكن كذبا لأن نفي العموم لا يقتضي نفي الخصوص ولأن النفي وارد على هيئة الجمع لا على كل فرد فرد وإذا تأخر حرف النفي عن أول الكلام وكان أوله كل أو ما في معناه وهو مرفوع بالابتداء نحو كل القوم لم يقوموا كان النفي عاما لأنه خبر عن المبتدأ وهو جمع فيجب أن يثبت لكل فرد فرد منه ما يثبت للمبتدأ وإلا لما صح جعله خبرا عنه وأما قوله عليه الصلاة والسلام { كل ذلك لم يكن } فإنما نفى الجميع بناء على ظنه أن الصلاة لم تقصر وأنه لم ينس منها شيئا فنفى كل واحد من الأمرين بناء على ذلك الظن ولما تخلف الظن ولم يكن النفي عاما قال له ذو اليدين قد كان بعض ذلك يا رسول الله فتردد عليه الصلاة والسلام في قوله وقال أحقا ما قال ذو اليدين فقالوا نعم ولو لم يحصل له ظن لقدم حرف النفي حتى لا يكون عاما وقال لم يكن كل ذلك .

                                                            التالي السابق


                                                            الخدمات العلمية