الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولا يقضي ) أي : لا يجوز له القضاء ( بخلاف علمه ) أي : ظنه المؤكد على ما قاله شارح أخذا مما يأتي عقبه ، ويحتمل الفرق ( بالإجماع ) على نزاع فيه منشؤه أن الوجوه هل تخرق الإجماع ؟ والوجه أنا إن قلنا : لازم المذهب مذهب خرقته ، وإلا وهو الأصح فلا وذلك كما إذا شهدا برق ، أو نكاح ، أو ملك من يعلم حريته ، أو بينونتها أو عدم ملكه ؛ لأنه قاطع ببطلان الحكم به حينئذ ، والحكم بالباطل محرم ، ولا يجوز له القضاء في هذه الصورة بعلمه ؛ لمعارضة البينة له مع عدالتها ظاهرا ، ولا يلزم من علمه خلاف ما شهدا به تعمدهما المفسق لهما وبه فارق قولهم : لو تحقق جرح شاهدين ردهما وحكم بعلمه المعارض لشهادتهما . قيل : صواب المتن بما يعلم خلافه فإن من يقتضي بشهادة من لا يعلم صدقهما ، ولا كذبهما قاض ، بخلاف علمه ، وهو نافذ اتفاقا . ا هـ . ، وهو عجيب فإنه فرضه فيمن لا يعلم صدقا ، ولا كذبا فكيف يصح أن يقال : إن هذا قضى ، بخلاف علمه حتى يرد على المتن فالصواب صحة عبارته . ثم رأيت البلقيني رده بما ذكرته فقال : هذا الاعتراض غير صحيح ؛ لأن الذي يقضي به هو ما يشهدان به لا صدقهما فلم يقض حينئذ ، بخلاف علمه ، ولا بما يعلم خلافه فالعبارتان مستويتان . ا هـ . ( فرع )

                                                                                                                              علم مما مر أن من قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق ثلاثا فتزوجها وحكم له شافعي بصحة النكاح ، أو موجبه تضمن الحكم إبطال ذلك التعليق ، وإن لم يذكره في حكمه ؛ لأن المعتمد أن الحكم بالصحة كالحكم بالموجب في تناول جميع الآثار المختلف فيها ، لكن إن دخل وقت الحكم بها كما هنا فإن من آثارهما هنا أن الطلاق السابق تعليقه على النكاح لا يرفعه . ولو حكم حنفي مثلا قبل العقد بصحة ذلك التعليق جاز للشافعي [ ص: 148 ] عقب العقد أن يحكم بإلغائه ؛ لأنه ليس نقضا له ؛ لعدم دخول وقته ؛ لأنه في الحقيقة فتوى لا حكم ؛ إذ الحكم الحقيقي الممتنع نقضه إنما يكون في واقع وقته دون ما سيقع ؛ لعدم تصور دعوى ملزمة به . والحكم في غير الحسبة إنما يعتد به بعدها إجماعا على ما حكاه غير واحد من الحنفية ، نعم إن ثبت ما قيل عن المالكية ، أو الحنابلة أنه قد لا يتوقف عليها وأنه قد يسوغ على قواعدهم مثل هذا الحكم لم يبعد امتناع نقضه حينئذ . ومر في الطلاق ما له تعلق بذلك .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : أي ظنه ) لعل الأوجه تفسير العلم بما يشمل العلم ويشمل الظن ؛ إذ قد يحصل له حقيقة العلم ، أو الظن لا بخصوص الظن لخروج العلم . ( قوله : وهو عجيب ) أقول : لقائل أن يقول : إنه ليس بعجيب ؛ لأن قوله : بخلاف علمه في المعنى من قبيل السلب البسيط ؛ لأنه في المعنى بمعنى ما لا يوافق علمه ومن المشهور صدق السلب البسيط مع انتفاء الموضوع ؛ فما لا يوافق علمه صادق مع انتفاء علمه فالقضاء بخلاف علمه يصدق بالقضاء بشهادة من لا يعلم صدقه ، ولا كذبه فليتأمل . ( قوله : فإن من آثارهما هنا أن الطلاق السابق تعليقه إلخ ) يتأمل هذا [ ص: 148 ] الكلام ويراجع ؛ فإن الصحة لا تنافي الوقوع المعلق بها ، بل تقتضيه كاقتضاء الشرط الجزاء . ( قوله : ومر في الطلاق إلخ ) عبارته هناك في فصل خطاب الأجنبية بطلاق وتعليقه بنكاح وغيره لغو ما نصه : ولو حكم بصحة تعليق ذلك قبل وقوعه حاكم يراه نقض ؛ لأنه إفتاء لا حكم ؛ إذ شرطه إجماعا كما قاله الحنفية وغيرهم وقوع دعوى ملزمة وقبل الوقوع لا يتصور ذلك ، نعم نقل عن الحنابلة وبعض المالكية عدم اشتراط دعوى كذلك فعليه لا ينقض حكم بذلك صدر ممن يؤدي ذلك كما هو واضح . ا هـ .

                                                                                                                              قوله : كما هو واضح هو متجه لا ينبغي العدول عنه ولا ينافيه نقل الإجماع المذكور ؛ لأن قائل ذلك لا يسلمه فليتأمل .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : أي : لا يجوز ) إلى قوله : ولا يلزم في النهاية إلا قوله : على ما قاله إلى وذلك ( قوله : أي : ظنه إلخ ) لعل الأوجه تفسير العلم بما يشمل العلم ، والظن ؛ إذ قد يحصل له حقيقة العلم ، أو الظن لا بخصوص الظن لخروج العلم . ا هـ . سم . ( قوله : على نزاع فيه منشؤه إلخ ) عبارة المغني : اعترض على المصنف دعواه الإجماع بوجه حكاه الماوردي بأنه يحكم بالشهادة المخالفة لعلمه وأجيب بأن لنا خلافا في أن الأوجه تقدح في الإجماع بناء على أن لازم المذهب هل هو مذهب ، أو لا ، والراجح أنه ليس بمذهب فلا يقدح . ا هـ . ( قوله : وذلك ) أي : خلاف علمه . ( قوله : لأنه قاطع إلخ ) علة لما في المتن . ( قوله : في هذه الصورة ) أي : فيما لو قامت عنده بينة بخلاف علمه ا هـ مغني . ( قوله : لمعارضة البينة له إلخ ) فيمتنع عليه الحكم بشيء منهما . ا هـ . مغني .

                                                                                                                              ( قوله : خلاف ما شهدا به ) مفعول علمه وقوله : تعمدهما إلخ فاعل لا يلزم وقوله : المفسق إلخ نعت لتعمدهما . ( قوله : وبه ) أي بقوله : ولا يلزم من علمه إلخ ( قوله : صواب المتن ) إلى قوله : انتهى في المغني إلا أنه قال : الأولى أن يعبر بما يعلم خلافه كالماوردي وغيره فإن إلخ . ( قوله : وهو عجيب إلخ ) أقول : لقائل أن يقول : ليس بعجيب ؛ لأن قوله : بخلاف علمه في المعنى من قبيل السلب البسيط ؛ لأنه في المعنى بمعنى ما لا يوافق علمه ومن المشهور صدق السلب مع انتفاء الموضوع فما لا يوافق علمه صادق مع انتفاء علمه فالقضاء بخلاف علمه يصدق بالقضاء بشهادة من لا يعلم صدقه ولا كذبه . ا هـ . سم ولك أن تمنع قوله : لأنه في المعنى إلخ بأن المتبادر من خلاف العلم ضد العلم فيقتضي تحقق العلم وإنما يظهر ما قال المصنف بغير علمه ، والفرق بين التعبيرين ظاهر .

                                                                                                                              ( قوله : صدقا إلخ ) مفعول لا يعلم . ( قوله : لا صدقهما ) عطف على ما يشهدان به ، لكن ما يفهمه من أنه لو فرض كونه محكوما به لما صح التفريع الآتي فيه نظر . ( قوله : مما مر ) أي : في الفرق بين الحكم بالموجب ، والحكم بالصحة . ( قوله : تضمن ) أي : حكم الشافعي المذكور . ( قوله : وإن لم يذكره ) أي : الإبطال . ( قوله : وقت الحكم بها ) فاعل دخل ، والضمير للآثار ( قوله : فإن من آثارهما ) أي : الحكم بالصحة ، والحكم بالموجب وكان الأولى إفراد الضمير بإرجاعه للنكاح .

                                                                                                                              ( قوله : فإن من آثارهما هنا أن الطلاق السابق إلخ ) يتأمل هذا الكلام ، ويراجع فإن الصحة لا تنافي الوقوع المعلق بها بل تقتضيه كاقتضاء الشرط للجزاء . ا هـ . سم أقول قد مر عن المغني ما يوافق كلام الشارح وأيضا في حاشية قول المتن : أو سجلا بما حكم إلخ إن قوله : فإن الصحة لا تنافي إلخ ممنوع بالنسبة إلى عقيدة الحاكم الشافعي فإن عقيدته عدم تأثر النكاح بالتعليق السابق عليه . ( قوله : مثلا ) أي : أو مالكي . ( قوله : جاز للشافعي إلخ ) خلافا للمغني كما مر في حاشية ، أو سجلا بما حكم إلخ [ ص: 148 ] قوله : عقب العقد ) لعله ليس بقيد . ( قوله : لأنه ليس نقضا له لعدم دخول وقته ؛ لأنه إلخ ) فيه تقديم وتأخير وحق المقام أن يقال : لأنه في الحقيقة فتوى لا حكم لعدم دخول وقته فليس إلغاؤه نقضا للحكم ؛ إذ الحكم الحقيقي إلخ ( قوله : لعدم دخول وقته ) أي : الحكم بصحة التعليق . ( قوله : لأنه إلخ ) يتأمل هذا التعليل ، ولعل الأسبك بل هو في الحقيقة إلخ . ( قوله : في واقع وقته ) أي : في أمر تحقق وقت الحكم . ( قوله : بعدها ) أي : الدعوى الملزمة ( قوله : عن المالكية ، أو الحنابلة ) عبارته في الطلاق عن الحنابلة وبعض المالكية . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : لم يبعد امتناع نقضه ) هو متجه لا ينبغي العدول عنه ولا ينافيه الإجماع المذكور ؛ لأن قائل ذلك لا يسلمه فليتأمل ا هـ سم ومر عن المغني ما يوافقه .




                                                                                                                              الخدمات العلمية